قمة العقبة كانت البوابة التي عادت إلى الحياة عن طريقها عملية السلام المبتورة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد أن كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة. وأهميتها تكمن في أن كل المشتركين فيها يعرفون الآن ما هو المطلوب منهم بالضبط، وقد تعهدوا علنًا بالمساهمة في تغيير الأوضاع المأساوية الراهنة، كل من موقعه القيادي. والعودة إلى الطريق الصحيح لا تتم بين ليلة وضحاها، فالعلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية في أدنى مستوياتها اليوم، وتحسينها لا يكون بالقفز في الهواء، ولكن بسياسة الخطوة خطوة، وهذا ممكن بالفعل بعد أن وضحت الرؤية وتحدد قيام الدولة الفلسطينية في نهاية سنة 2005 وفي المقابل حصول إسرائيل على الأمن والاستقرار، وذلك تحت إشراف الراعي الأميركي. والرئيس بوش جاد في مسعاه، وقد تعهد شخصيا وعلنيا بالاستمرار في متابعة الملف بعد وضعه على رأس أولويات إدارته، وعين مسؤولا خاصا لمتابعة الأمور على الساحة. ويمكن للقائدين، محمود عباس وأريئيل شارون، التقدم الآن الواحد نحو الآخر معتمدين على نضوج الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي وتأييدهما المطلق لضرورة وضع حد للأوضاع الراهنة، بعد أن اقتنعا بأنه لا يوجد حل عسكري للمشكلة.. فإما التقدم عن طريق المفاوضات وإما الاستمرار في دائرة مغلقة من العنف المتبادل الذي هو بمثابة هدر للبلاد والعباد. قمة العقبة ليست العقبة الأخيرة في طريق التقدم، فالقوى الرافضة المتربّصة لهذه الفرصة الذهبية ستبذل أقصى جهودها لتعطيل المسيرة باستخدامها شتى الوسائل. قمة العقبة هي إذن نقطة بداية ليس إلا، وعلى الجميع الصبر وعدم توقع المعجزات في الأيام والأسابيع القادمة. فالكأس مليئة الآن إلى النصف. ويمكن تشبيه هذه القمة بإنزال سفينة جديدة إلى البحر لتواجه بعد ذلك مصيرها في خضم الأمواج. وبحرنا هنا مليء بالحيتان وبسمك القرش وبالألغام البحرية من كل صنف ونوع وهي تهدّد السفينة بمن وما عليها. وعلينا جميعًا أن نأمل أن لا يكون مصير سفينتها هذه شبيها بمصير سفينة الركاب (تيتانيك) التي وصفت مع تدشينها بأنها أفخم وآمن سفينة في العالم، لكنها اصطدمت في رحلتها الأولى في جبل جليد وغرقت. وللأسف، فبالرغم من الجو الحر عندنا ومياه البحر الدافئة في شواطئنا، فإن جبال الجليد تهددنا جميعًا متمثلة في دول وأنظمة وفصائل وأشخاص، موجودة على الطرفين، تريد جرنا معها إلى الأعماق. لا شك أن هذه فرصة ذهبية لوضع حد للوضع المأساوي الذي يعيشه الشعبان، الفلسطيني والإسرائيلي، ولو بدرجات متفاوتة، حتى لا تلومنا الأجيال القادمة على تفويت هذه الفرصة، كما أضعنا في الماضي فرصا كثيرة. محلل سياسي إسرائيلي