كتاب المؤلف الفرنسي بيير بيارنيس (القرن الحادي والعشرون لن يكون امريكيا) الذي صدر بالعربية يضفي على الخلافات الاخيرة بين الولايات المتحدة من جهة ودول اوروبية من جهة اخرى طابعا يتجاوز مجرد الخلاف على المصالح المهمة ويرتكز على مبادىء ثقافية وحضارية.
يرفض الكاتب فكرة سيطرة القطب الواحد على العالم مدة طويلة ويرى ان هناك قوى مهمة ترفض ما سماه الهيمنة الامريكية وقوى اخرى في طريقها الى البروز بقوة على المسرح الدولي.
يتناول الكتاب بالتفصيل موضوعات سياسية واقتصادية وعسكرية في بلدان العالم وقاراته ويخلص الى القول ان هناك ما لا يقل عن ستة بلدان كبرى او مجموعات البلدان قد شرعت في قول لا وفي تقوية نفسها ازاء هذه الهيمنة الامريكية.. انها الاتحاد الاوروبي الذي هو في طور التكوين ثم الصين التي تعيش يقظتها الكاملة ثم روسيا التي سوف تولد من جديد حتى وان كنا الان لا نعرف متى سيحدث ذلك الميلاد ثم اليابان الذي سوف يتخلص يوما من هذا السياق من الوصاية الامريكية... ثم الهند التي بدأت تخرج الآن ببطء من سباتها العميق. ثم اخيرا امريكا اللاتينية التي لن تدع امريكا تضحك عليها اكثر مما ضحكت. الكتاب الذي نقله الى العربية المترجم الجزائري مدني صادق وصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر جاء في 347 صفحة كبيرة وتوزعت مواده على 16 فصلا.
وفي مقدمة.. سلام بارد وحروب ساخنة قال الكاتب اننا عشنا دون ان ندري فترة عجيبة فعلا يحددها البعض بحوالي نصف قرن من نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 الى انهيار الاتحاد السوفيتي ويرى آخرون انها استمرت نحو ثلاثة قرون. وبصرف النظر عن هذا الخلاف فالجميع متفق على ان هذه الازمنة المباركة قد اصبحت في ذمة الماضي وان البشرية تلج الان في عصر يلفه غموض كثيف وتحفه مخاطر داهمة. الا ان هذه الفترة الزمنية الطويلة لم تكن فترة حب برىء على رغم بروز فكرة التقدم خلاله. ورأى بيارنيس ان الموجة التي احدثها انهيار الاتحاد السوفيتي بالتأكيد مشابهة لتلك التي احدثها سقوط الامبراطورية الرومانية. وختم بالقول: لا لن يكون القرن الواحد والعشرون امريكيا. سوف يكون متعدد الاقطاب ومتعدد اللغات كالقرون الماضية. وتحت عنوانين متداخلين هما "امريكا لا تطاق. العالم للامريكيين" عاد بيارنيس الى الماضي وما اعتبره اسسا معتقدية اثرت في العقلية الامريكية فتحدث مثلا عن الشعار الامريكي المعروف اننا نضع ثقتنا في الله فقال: هكذا يقول الشعار الديني عند الامريكيين الموروث عن الاباء الاوائل بالتأكيد. ولكن هذا الشعب المقتنع بان الله معه في كل الظروف لا شيء يمنعه من ان يفكر ايضا بانه لو اضاف الى ذلك كله المال.. لكانت الامور عنده افضل بكثير. فالمال مثله مثل البندقية الجيدة كلما كانت في متناول اليد كانت افيد وانفع. ورأى أن الهيمنة المعنوية والتجارية التي يتمتع بها الامريكيون والقائمة على القوة العسكرية والثقة بالنفس ليست قضية حديثة العهد. لقد شاهدناها منذ ظهور اصول الامة الامريكية الاولى حيث ظلت هذه الهيمنة كمثل جوهرها الاساسي. فالهنود الحمر وجيرانهم الجنوبيون في ريوغراندي يعرفون هذه الحقيقة منذ امد طويل. ولكن في سنواتنا هذه فالكرة الارضية برمتها هي التي صارت لا تطيق امريكا. وتحدث ايضا عن اعتقاد الرواد الامريكيين الاوائل ان العالم الجديد هو ارض الميعاد وانهم الشعب المختار الذي هيأه الله لإنشاء مملكته على الارض. ورأى ان قادة امريكيين في عصرنا لا يزالون يؤمنون بما يشبه ذلك واشار الى قول لنيوت جينجريتش رئيس الغالبية الجمهورية في مجلس النواب الامريكي ومنه ان امريكا وحدها هي القادرة على قيادة العالم فهي تظل بالفعل الحضارة الدولية والشمولية الوحيدة في تاريخ البشرية. ولو شاءت لنا الاقدار ان نختفي غدا فمن غير المرجح ان يكون لليابانيين او الالمان او الروس الامكانية والقدرة على قيادة العالم. فبدون حضارة امريكية حية سوف تسود الهمجية والتخلف الحضاري والعنف والدكتاتورية انحاء المعمورة. ومثل ذلك اقوال لسياسيين امريكيين منهم مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية السابقة التي قالت انها تريد ان يدرك الاوروبيون ان امريكا امة لا غنى عنها وهذا يعني انه عندما نكون قادرين على تغيير الاشياء فلا شيء يحول دوننا والقيام بذلك. وعلق الكاتب قائلا: فالتحذير اذن موجه الى الجميع..العالم للامريكيين ولا شيء سوى امريكا. وننتقل مع الكاتب كما يقول من قارة الى قارة لنلاحظ ان امريكا على قدم وساق تشيد هذا الصرح الهائل باسم ديمقراطية السوق وباسم النظام العالمي الجديد الذي تسعى قبل كل شيء ان يكون مطابقا لمصالحها والذي يمني قادتها انفسهم به ويريدون ان يكونوا سادته الى الابد. وتحدث مثلا عن العلاقة مع اوروبا قائلا ان منظمة حلف شمال الاطلسي لم يعد لها اليوم من مبرر الادعاء بتنظيم وتأمين الحفاظ على الامن والسلام في القارة القديمة سوى ادامة الهيمنة الامريكية ...ومافتىء الامريكيون على مدى السنوات يحركون بنجاح شبح انبعاث جديد ممكن للامبريالية الروسية لكي يبرروا ارادتهم في الحفاظ على وضع المنظمة العسكرية للحلف الاطلسي بل ايضا القيام بتوسيعه الى حدود خصمهم القديم.