اخي/ محمد :
آلمني ما قلت وان كان تساؤلك مطروحا للإجابة عنه من اهل العلم، وفي الحقيقة يجب ان لا نيأس من رحمة الله (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
ولا اجد هنا ما يمكن ان يقال من جانب علم النفس الارشادي سوى ما كتبه د. نبيل سفيان استاذ علم النفس الارشادي بجامعة تعز حول فوائد المصائب.. واتمنى ان تقرأه جيدا انت والاخوة الاعزاء ممن يحملون رسائلهم عبارات اليأس والآلم ونحن ندرك معاناتهم.. ولكن.. يظل الامل ما ظلت الحياة.. ويظل الخير ما بقي في هذا البلد رجال احبوه وعملوا من اجله.
وإليك والى الاخوة القراء ما كتبه د. نبيل سفيان :
هناك اكثر من اسلوب واحد او فكرة واحدة يمكنها ان تقلب حالة مشاعرنا من الكآبة الى السعادة وان لم تكن كذلك فهي تخفف من الحزن الذي يعترينا، وهذا الاسلوب لا يكلفنا مالا او جهدا ولكن نحتاج بعد استيعابه الى تطبيقه وممارسته.. فقد يعرف الناس اشياء كثيرة في صالحهم الا ان المشكلة التي لا يستشعرون اهميتها هي عدم ممارستهم هذا الاسلوب الذي قد يبدو غير هام، مع ان تأثيره كبير ولكن اغلب الناس لا يعلمون غالبا ما يشعر الناس به من ضيق وتوتر وحزن عندما يخسرون شيئا ما او يتوقعون خسارته، وتعتمد درجة الضيق على نوع الشيء الذي خسرناه او نتوقع خسارته فقد يكون هاما جدا بالنسبة لنا وقد يكون اقل اهمية، فالافراد يختلفون في درجة تقبلهم الخسارة وطريقة تفكيرهم وطريقة تعاملهم معها وقد يكون هذا الشيء - الذي نخاف خسارته - منصبا معينا او انسانا عزيزا او وظيفة او نجاحا دراسيا.. الخ.
وبعض الناس يبالغ في خوفه وقلقه الى درجة اعتقاده انه بخسارته هذه سيخسر كل شيء وانه في كارثة ليس لها مثيل، وغالبا ما نكون اثناء هذه الحالة مركزين ذهنيا على مساوئ الخسارة ولا يتبادر الى ذهننا ان في هذه الخسارة مكاسب بل قد تكون المكاسب اكبر واكثر من الخسارة، فالمثل العربي (رب ضارة نافعة) لم يأت من فراغ.
عزيزي القارئ : قبل ان نهديك فكرة هذا الموضوع البسيطة والمؤثرة، والتي تعرفها ولكن تنساها ولا تتأمل فيها غالبا ، اسمح لي بأن اعرض عليك هذا الموقف الواقعي الذي قرأته في احد المطارات نام احد المسافرين في احدى الرحلات الجوية في قاعة الانتظار وهو ينتظر موعد الاقلاع وصحا فجأة من نومه والطيارة تقلع فجن جنونه وشعر بكآبة شديدة لم يشعر بمثلها من قبل، فاذا سألته عن اهمية الرحلة التي خسرها سيحكي لك خسارات فادحة، وماهي الا دقائق واذا بالطائرة تنفجر اثناء الاقلاع، ورغم ان الحادث كان مريعا الى انه شعر بانه ولد من جديد وقال رب ضارة نافعة قد يقول البعض ان هذا من باب الصدفة.. وهنا سأنطلق من جانب فلسفي وهو ان لكل شيء في الحياة فائدة ولكننا غالبا لا نرى فوائد كثير من الاشياء ، فالنار المحرقة هي نفسها التي تسلق لنا البيض اللذيذ، ومن التاريخ عبرة الحزن والاكتئاب، وكانت هذه الظروف تحمل الفائدة فكثير من الناس وجدوا انفسهم في ظروف مؤلمة ولكنها جلبت السعادة اللاحقة لاصحابها ومن هذه الظروف سجن ابن تيمية ساعده على انتاج جل فتاواه، وحبس السرخسي في الجب ساعده على تأليف كتابه المشهور (المبسوط) ، وسفر ابن القيم وبعده عن اهله ساعده على تأليف كتابه (زاد المعاد) ، ومرض ابن الاثير الذي اقعده ساعده على تأليف كتبه الرائعة (جامع الاصول) و(النهاية) ، وفقر وتغرب المحدثين جمع لنا آلاف الاحاديث، وفقدان بصر ابي العلاء المعري والبردوني وغيرهما انتج لنا شعرا مميزا، وكتابة طه حسين مذكراته بعد عماه، وظروف دستويفسكي وتولستوي والسياب وغيرهم من يتم وفقر وغربة ساعدهم على انتاج أدب قوي مؤثر، وكم من اناس بعد عزلهم من مناصبهم قدموا للأمة اضعاف ما قدموه وهم في مناصبهم؟
وهكذا نجد ان ما نعتقده ضارا قد يكون غير ضار بل قد يكون نافعا.. ففي سورة النساء يقول تعالى : (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) (النساء - آية 19) وجاء في تفسير الجلالين وابن كثير انه اذا كرهتم النساء فعسى بصبركم عليهن ان يعوضكهم الله خيرا كولد صالح. وكان موسى عليه السلام يعتقد ان فعل الخضر ضار، فقد رأى الخضر يقتل طفلا ويهدم جدارا ويخرم سفينة، فاستنكر فعل الخضر وكان رد الخضر عليه كما في قوله تعالى : (ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا) ، ثم قام الخضر بايضاح ما لم يفهمه موسى عليه السلام.
وقد يشعر البعض بأن هناك خططا ودسائس ومكرا تدبر لهم وقد ينفذ بعضها مما يجعلهم يكتئبون ويضيقون واذا بالسحر ينقلب على الساحر وتتحول نتائج الضرر الى فوائد كقوله تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الانفال - آية 30.
وهكذا بإمكاننا ان ننظر لما نعتقده ضارا اما بالنظر الى فوائده، او نقوم بتعديله لنجعله في صالحنا، فالليمون الحامض بامكاننا ان نعدل فيه بتقطيعه وخلطه مع قليل من الماء والسكر فيتحول الى عصير حلو، واذا لم نستطع ما نعتقده ضارا قد كتبه الله لنا، وقد يكون فيه النفع الغائب عن التصرف او التفكير في الفوائد فعلينا الصبر قال تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) البقرة - آية 216.
ومما سبق رأينا كيف ان القرآن الكريم والحديث الشريف وقصصا كثيرة عبر التاريخ وتأملات فلسفية في كنه الاشياء وافعال تعايشها يوميا كل ذلك يؤكد ان ما نعتقده ضارا قد يكون نافعا، وعلينا ان نثق في ذلك ونبحث عن مكمن الفائدة، او كيف نعدل في الظرف بما فيه الصالح، وان لم نستطع شيئا من تفكير او تعديل فعلينا بالايمان بما هو مكتوب والصبر وبهذا نكون قد كسبنا كل شيء كما جاء في الحديث الشريف (عجبا للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خيرا له ، ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن). فهل عزيزي القارئ تستطيع بعد كل هذا ان تتأمل في فوائد المصائب وتستفيد منها؟ وأقلها انها تدربك على مواجهة الصعاب مستقبلا فالسوط الذي لا يكسر ظهرك يقويه.