لن نجد تعريفا لمفهوم (العمدة) اكثر وضوحا واخف ظلا من ذلك التعريف العفوي الذي غرسته الافلام المصرية في اذهان مشاهديها عن العمدة، وشعبيته الطاووسية.
العمدة موجود في كل البلدان، ولكن الفرق بين بلد واخر هو تلك المكانة الاجتماعية للعمدة: فبعض البلدان لا يعرف اهلها ان هناك عمدة، اما بعضها الاخر فله مكانة يملك الحل والربط في كل شأن اجتماعي.
يقول الروائي المصري:
قبل ثورة عبدالناصر لم يكن يجرؤ احد من فقراء قريتي - ووالدي من هؤلاء - ان يمر امام شكمة العمدة راكبا حماره. كان ينزل من فوق الحمار وينزلني معه، حتى نمر امام الشكمة بسلام. ومن كان يجرؤ على مخالفة ذلك كان يتم ربطه في شجرة كافور عالية، وعندما كنت اقترب من هذه الشجرة، بعد قيام الثورة طبعا كنت اسمع اصوات انين وبكاء وشكاوى (..) واطلال دماء من عذبوا قبل الثورة).
يوسف القعيد/ هيكل يتذكر ص13
تصور عمدة في قرية صغيرة، ليس فيها ماء ولا كهرباء. مواصلاتها الحمير فقط لا يجرؤ احد من اهلها على المرور امام شكمة العمدة دون ان يترجل احتراما ومهابة لجناب العمدة.
اذن ما بالك بـ (البندر) والبيه المأمور؟ او المدينة وحضرة الباشا؟ ترى من يمر على بيوتهم او على قصورهم.. ماذا يعمل بنفسه؟ هل يكفي ان يترجل، ام ان هناك طقوسا اخرى من التبجيل عليه ان يقوم بها صاغرا؟!
بعد كل هذه السنين، وبعد الزحف الحضاري الكاسح على العالم العربي، او من حوله هل تم انقراض هذه الصورة، صورة العمدة، والصورة المماثلة لها؟ كنت اظن ذلك، ولكني حين شاهدت على الفضائيات ما يجري في العراق اخيرا، تيقنت ان ظني كان وهما، وتذكرت قول ابي تمام:==1==
ان شئت ان يسود ظنك كله==0==
==0==فأجله في هذا السواد الاعظم==2==