يقول سعيد مهران، بطل رواية نجيب محفوظ (اللص والكلاب) (لم يسمح الماضي بعد بالتفكير في المستقبل).
انت - على ما اظن- تعرف ماضي سعيد مهران، انه مناضل سجن ظلما بوشاية احد اصحابه، وخرج ليرى غارس الافكار النضالية في رأسه رؤوف علوان.. يتقلب في احضان النعيم، لانه ارتد عن كل الافكار التي كان يدعيها وباع المبدأ بالمال. لذا حين طلب رؤوف من سعيد قائلا له: فكر في المستقبل، اجابه سعيد: لم يسمح الماضي بعد بالتفكير في المستقبل.
لن اقف عند هذه الصورة او الصور الكثيرة المشابهة لها، بل سأبدأ بالسؤال: متى يمكن نسيان الماضي والتفكير في المستقبل؟
واجيب على الفور:
يمكن في حالة واحدة فقط هي الا يكون ذلك الماضي مؤثرا في الحاضر، ومسيطرا على سائر النشاطات الفردية والجماعية فيه، اي ان الرؤية التي غرسها فينا للانسان والكون والحياة قد تغيرت ونبتت رؤية اخرى بدلا منها.
في هذه الحالة التي لا ثانية لها يمكن ان ينظر الفرد او الجماعة الى المستقبل بدون مؤثر سابق، ذلك لان الحاضر نفسه يكون متحررا من الماضي، ويكون تحليله على ضوء واقعه هو لا واقع زمن سابق عليه، وحين يكون التحليل واقعيا يمكن ان نجعل منه مصباحا نرى على ضوئه المستقبل.
هنا اصل الى النقطة الجوهرية لهذا الكلام، والتي يتضمنها السؤال التالي: هل نحن كافراد او كأمة كاملة نستطيع النظر الى الحاضر بدون تأثير الماضي الممتد منذ العصر الجاهلي حتى الان؟
بالتأكيد.. لا
ان اشعة الاسلام كلها لم تستطع ان تهزم في داخلنا ظلام معظم عادات وتقاليد العصر الجاهلي، فهي مؤثرة في سلوكنا حتى الان، وستبقى مالم يدخل الى ثقافتنا شيء واحد هو العلم.
التفكير العلمي وحده هو الكفيل بجعل ابصارنا تتجه الى المستقبل.