الانسان لا يستطيع اعتزال الناس جميعا فهو مضطر الى العمل وله زملاء ومضطر الى السكن وله جيران ومحتاج الى السفر احيانا وله اصحاب.. فلا مفر له من التعارف والاختلاط والصداقة والصحبة والناس كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "انما الناس كالابل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة" وهل يصح ان يصادق الانسان كل من يصادفه؟ او يصادق كل من يلقاه؟
هكذا كان صاحبي يملي علي بنات افكاره! وكأنه ينتظر مني جوابا عاجلا.. فأنشدته شعر حسان بن ثابت:
اخلاء الرجال هم كثير
ولكن في البلاء هم قليل
فلا يغررك خلة من تؤاخي
فمالك عند نائبة خليل
وكل اخ يقول انا وفي
ولكن ليس يفعل مايقول
سوى خل له حب ودين
فداك لما يقول هو الفعول
ومن ثم اردفت قائلا الناس معادن لابد للانسان الحقيقي ان يرى بعين ثاقبة وان يزن الامور بميزان الذهب ليعلم تبر الشيء من تربة فنحذر صاحب السوء الذي خبثت اخلاقة وتعفنت صفاته وفسد طبعه فنحذر الانسان الذي لبس جلد الحمل وهو في الاصل ذئب فالصداقة لا تستغني عن المجاملة ولكن هذه المجاملة اذا انحدرت الى مستوى النفاق شوهت هذه العلاقة الحميمة التي يفترض فيها النقاء والصداقة تحتاج منا الى تضحية باشياء مادية ومعنوية وربما احتاجت الى الاشياء المعنوية اكثر من المادية فالانسان عندما يختار صديقا له بكل معنى الصداقة انما يرى فيه نفسه او يرى انه مكمل له اي لاغنى له عنه فالصديق مساعد ومشرف وممثل لك في غيابك. ولقد قيل ان الصديق هو كفاية حاجتك ومعينك على حملك ومواسيك في حالتي فرحك وحزنك وربما كان في حالة حزنك ومعاناتك الصق بك من أية حالة اخرى لانه ـ وهذا ما يفترض ـ يحس بك قبل ان تشكو اليه ويضيق على نفسه ليوسع عليك ويتعب فكره وجسمه ليريحك كل هذا يعمله بطيب نفس وصفاء نية ومروء ة لا تكلف فيها تلك كانت هي الصداقة الحقة التي استحقت ان تنشق صفتها الاسمية والعملية الوصفية من الصدق صديقك هو شبيهك وشبه الشيء منجذب اليه فانظر اخي المواطن من تصادق فانه انت في المرآة فاكتفى بما قلت.. وودعته..
علي صالح السنني