لكل مقالة مثير يستجيب من خلاله الكاتب لينزف قلمه حبرا استجابة لهذا المثير. وما أثارني لكتابة هذه المقالة هي ظاهرة الحديث عن السياسة بكافة مجالاتها من قبل كل من لا هم له فما ان تقلب في الاعلام المكتوب او المقروء حتى ترى المثقفين والمفكرين من كافة الاتجاهات وقد تحولوا في الحديث عن السياسة كيف لا وهي تشكل المصدر الرئيسي للرزق للبعض من الذين اقحموا أنفسهم في الحديث عما يدور في هذا العالم دون الالمام حتى في اساسيات التربية السياسية.
ولا يعني ذلك أنني أحرم الخوض بالسياسة بل على العكس فالسياسة أصبحت هما لكافة من يعيش على هذه الكرة حتى المعدم الفقير اصبح له اهتمام بالسياسة كونها تؤثر على مصدر رزقه بل ان الكثير من الدول تربي أبناءها على السياسة والدخول في هذا المعترك من اجل حمايتهم. وما التربية الوطنية الا جزء من التربية السياسية وهذا حق مشروع. وكون الفرد يخوض بالسياسة فهذا حق مكفول له ولكن ان يتشبه بالمتخصصين ويجول في اعمق الموضوعات السياسية ويحلل ويربط ويستنتج ويعمم وهو بالامس القريب كان طبيبا مغلقا عيادته على نفسه لا تخرج ثقافته السياسية عن صفحات الصحف اليومية التي يطالعها هذا بحق ما اطلق عليه الهوس السياسي والذي انجرف وراءه الكثير من المنتفعين من الذين وجدوا أن طريق السياسة والظهور بالفضائيات المرئية والمسموعة لهو اقصر طريق للشهرة اولا ولتحقيق مكاسب شخصية او جماعية تعمل ضد التيار العام ثانيا مستغلة بذلك الجهل السياسي لبعض الشعوب السياسية وانبهارها بالانفتاح الاعلامي المفاجىء الذي يشهده العالم جراء ثورة الاتصالات.
كان لابد من المقدمة التي سطرتها لكي اوجه رسالة لكل من يريد ان يشتغل بالسياسة سواء بالكسب السريع من خلال الظهور بالفضائيات أو عمليات الابتزاز بالحناجر أو من الجناح الاخر الذي يرغب الشهرة السريعة والتي لم يستطع الوصول اليها من خلال عمله استاذا مغمورا بالجامعة أو طبيبا أو موظفا. أضف الى هذين الجناحين كل من له أهداف شخصية يغلفها بالصالح العام ويروج لها بين السذج من الناس لكي يعمل على الوصول الى ما يهدف اليه من أهداف شخصية.
أسوق الى كل هؤلاء أساسيات التربية السياسية لمحو اميتهم اذ ان السياسة لا تعني تكرار ما تبثه وسائل الاعلام بكافة انواعه لنبدأ بالوقوف على اهم مقومات السياسي والذي ينبغي ان تكون لديه حصيلة من العلوم والمعارف على الاقل لتعينه على بناء اطار عام فكري وتحليلي. ولايتم تراكم هذه الخبرات من خلال قراءه الصحف المشخصنة مثل جريدة القدس في لندن او مشاهدة محطات توظف المهنية للمصالح في اطارها الضيق كقناة الجزيرة او الاستماع الى المحطات الفضائية من التي تردد ما يقوله مستمعوها كالببغاوات. ابدا فالعلوم والمعارف تتراكم من خلال التعمق في الدراسات والبحوث وتملك مهارات التحليل والاستنتاج من منابعها وليست من افواه المتسيسين من الذين وجدوا ضالتهم لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب الجهل السياسي السائد.
ولا أستطيع ان اخوض عبر مقالة كهذه في الكثير من اساسيات التربية السياسية لان المسألة تتجاوز هذه المساحة ولكني سأحاول ان أركز على بعض العناصر من أبجديات التربية السياسية وتتمثل في بناء العلوم والمعارف. ان العلوم والمعارف ما هي الا كالبناء المتراكم والذي يصل في النهاية بالفرد الى توضيح صورة العالم الخارجي له اضافة الى تخيله الى عالم افضل. وأربأ بالقارىء الكريم عن التركيز على عبارة عالم افضل ومقارنة ذلك ببعض ما ذكرت من وسائل الاعلام والمتسيسين او من وسائل الاعلام التي تطرقت لها وهل سيكون لمثل هؤلاء دور في عالم افضل. ان كل متابع يدرك أنهم يسعون الى عالم أسوأ على عكس أبجديات التربية السياسية.
وأقول للمتسيسين من أصحاب التنظير الفارق بأن يتحروا قبل أن يتقولوا على الآخرين ويوجهوا النقد والذي عادة يكون قطنيا وان يدركوا على الاقل بعناصر اساسيات التربية السياسية مضيفا اياها الى ما ذكرته:
1ـ ينبغي أن تكون للساسة مستويات معينة من المعرفة التامة للأوضاع الراهنة والكفاءة الداخلية للحكومات وليست الخارجية والمنشورة. وان الالمام بالكفاءة الداخلية للحكومات وآليات عملها تتطلب دراسة عن كثب وضرورة تواجد السياسي في محيط هذه الحكومة أو تلك.
2ـ كما ينبغي ألا تبنى هذه الخبرات والمعارف على رؤى شخصية بل يجب ان يكون هناك مستويات من المشاركة والتعرف على الكفاءة الداخلية للحكومات وكذلك الالمام بالمهارات اللازمة لتقييم هذه الكفاءة.
3ـ وفوق كل من النقطتين ينبغي ألا نهمل ما تبذله الحكومات من عمليات اصلاحية للتوجه نحو عالم متغير سريع. فإذا توفرت هذه العناصر فللفرد الحديث عن السياسة واشهار لسانه. ولعلي أوصي في نهاية مقالتي هذه أن يتواصل الكتاب من المهتمين بهذا الشأن ويعملوا على تطبيق هذه العناصر على بعض حالات التسيس والمتسيسين من حولنا سواء من قنوات أو محطات أو أفراد وذلك من أجل الكشف عن أغراضهم والتي لا أشك كما غيري في أن بعضها لا تمت للصالح العام بصلة.