هكذا انت في وهم بعض طلاب جامعاتنا فالاستاذ ليس في عرفه قائد سفينة المعرفة يستبصر برأيه ويؤخذ عنه ما قد لا تجده في كتاب مدون، بل هو حاجز لابد من القفز عليه بحصان مريض هزيل، وليس مهما ان تجتاز بغش او خديعة او توسل واستعطاف ان نفع ذلك. اقول هذا وقد فوجئت بخطاب كتبه احد ابنائنا الطلبة لما لم يحالفه الحظ فتخلف في الامتحان، كتب يشرح أمره برسالة هي ادل دليل على ضعف تحصيله وقلة مهارته فالخط ردئ والافكار غير منظمة والحجج واهية، بين في خطابه انه من الطلاب القدماء، وانه رسب في المقرر غير مرة عند عدد من المعلمين، وانه صار لذلك خبيرا بالمقرر، أي انه بلغ من الشأو هذا المبلغ. ولما تسلمت الرسالة عدت لاستطلع امره لعلي اجد باعثا بعثه الى ان يكتب تلك الرسالة، فرحت استقصي حال الطالب، فرأيته من جملة الذين يتغيبون عن الدروس دون عذر مقبول، ورأيته لم يراجعني أبدا في اي مسألة من مسائل المقرر، ولم اره شارك معنا في الفصل في نقاش مسألة او ابدى وجهة نظر.
واذكر ان مفردات المقرر كانت تثير في اذهاننا ما نحن بحاجة الى معاودة الدرس والكشف عن اصولها في مراجع اكبر من الكتاب الذي بين ايدينا فكنت اكلف الطلاب تكليفا جماعيا بالعودة الى كتاب او اكثر في الموضوع ثم العودة بالجواب في الدرس القادم ولكن خيبة الامل تضرب اطنابها قوية حين اجدهم قد اجمعوا على نسيان الامر كأن الامر شيء من الدعابة. اما في الساعات المكتبية المخصصة لاستقبال الطلاب فلاترى منهم احدا وان رأيته وفرحت بمقدمه خيب ظنك حين تراه يتوجه اليك باستعطاف ان تعيد له اختبارا فصليا او ان تراعي ظروفه الخاصة وما اكثر هذه الظروف. ان المعلم ينهض بمسؤوليتين خطيرتين احداهما التعليم الذي عليه ان يجتهد فيه كل الاجتهاد، والامر الثاني هو الاختبار. والاختبار كالقضاء الذي لا يجوز للقاضي ان تأخذه رأفة بالمقصر، ونحن اذن قضاة فان حكمنا له بما لا يستحق خنا الامانة وظلمنا انفسنا ومجتمعنا، وما هذا الضعف الذي نشهده في كل مهاراتنا التعليمية الا ثمرة عوامل مختلفة منها بلا شك ضعف الاختبارات ومنها الرأفة بالضعفاء من دون حق.