اذا حاولنا القاء نظرة سريعة على خصائص العقلية العربية بصفة عامة فيمكننا القول بأنها عقلية عنيدة صعبة الترويض تتمتع بالذكاء الفطري الحاد الذي حبا الله به العرب, وربما ساعدت بعد ذلك الظروف البيئية من طبيعة ومناخ في تنمية هذا العنصر الذي يتميز به العربي دون غيره, فالانسان العربي ومنذ القدم لديه قدرة فائقة على تدوين ملاحظاته الخاصة واختزانها داخل ذاكرته فتجده بارعا في وصف الاحداث التي تمر به وبكل دقة مستخدما الأنسب من الألفاظ والعبارات, وهي خاصية متوارثة فقد تتعجب ان وصف لك صبيا في بادية شخص تعرفه مر به وصفا كأنك تراه ماثلا امام عينيك والابعد من ذلك انه يستطيع ان يحدد لك عمره باقتراب كبير جدا من الحقيقة, وكذلك فان العقلية العربية تتميز بخاصية الاستشعار او ما يسمى بالحدس وتوجس حدوث الشيء وهو ما يسمى مجازا بالحاسة السادسة ناهيك عن الفراسة والقدرة الفائقة على التحليل واستخراج النتائج, اما عن العيوب فقد يبهر الجمال العقلية العربية ويستحوذ الكلام المتقن البارع على جانب كبير منها, كل هذا يجعل التعامل مع هذه العقلية في حيرة من امره يستجمع عناصر خطابه لها واضعا في حساباته تلك الخصائص التي ذكرناها كي يستطيع ان يصل بما لديه الى حيثما اراد. وعلى حد سواء فالمباشر من الخطاب الاعلامي او الموجه من خلال برامج اخرى الى هذه العقلية ربما لا يلقي قبولا لديها ان لم يكن معدوه قد خططوا له جيدا ووضعوا آليات مناسبة له وهذا العمل يستوجب تمتع القائمين عليه بثقافات وخبرات واسعة وتجارب طويلة, ومن الملاحظ ان الخطاب الاعلامي الرسمي بمختلف وسائله يعتريه شيء من الضعف يعزى اليه قلة القبول, فالقائمون على القنوات الاعلامية الرسمية هم من الموظفين الحكوميين ان هم اتقنوا وابدعوا في عملهم ام لم يفعلوا فمع نهاية الشهر تصلهم رواتبهم, وللانصاف فليس هذا بحال الجميع فالبعض لا يسعى الى زيادة ثقافته وتنمية ملكاته وقدراته الابداعية كما يفعل غيره, وهذا امر تستشعره العقلية العربية فتراها محجمة حتى عن مجرد الاستماع الى هذا الخطاب, في حين تراها مقبلة على غيره وان كان تافها لا يحمل اي مضمون فقد يكون مبهرا لدى هذه العقلية ان تستمع الى احد المذيعين وهو يحاج ضيفه ويقول انه قرأ عشرة كتب حول هذه المنطقة, .
وقد يكون في هذا القول مفتاح للدخول الى دهاليز تلك العقلية وتطويعها لتقبل بقية حديثه وفي هذا براعة منه كما برع مذيع اذاعة صوت العرب احمد سعيد في تصوير هزيمة يونيو 1967م على انها نصر ساحق للعرب وكما كان وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف بارعا في خطابه قادرا على الاستحواذ على هذه العقلية لتصدقه وهي ترى مدن العراق تسقط واحدة تلو الاخرى؟!
ولعل الفرصة سانحة هنا لاستاذن المختصين في قواعد اللغة العربية واوضح ان النحاة يقسمون اساليب الكلام على وجهين لا ثالث لهما هما الانشاء والخبر, فالانشاء لا يحتمل الصدق او الكذب وهو إما ان يكون امرا او نهيا استفهاما او تمنيا او تعجبا اما الخبر فيحتمل ذلك والعمل الاعلامي يكتسب مصداقيته من خلال الدقة في التعامل مع الاساليب الخبرية من الكلام والاتقان في توجيه برامجه التي تعتمد على الاساليب الانشائية منه, اما المبالغة في التحفظ اثناء التعامل مع الخبر وعدم الاعداد الجيد لبرامج المسابقات والبرامج التوعوية وهذا الكم الكبير الذي تحويه من الاخطاء يخلع على العمل صفة الرداءة ولن يلقى اي قبول لدى اي عقلية لها خصائص العقلية العربية.
وما اريد ان اخلص اليه اننا لسنا بحاجة للمزيد من القنوات الاعلامية الرسمية قدر حاجتنا الى تطوير ما هو قائم منها ودعمها وصقل خبرات العاملين فيها وتنمية مهاراتهم وتزويدها بالجديد من الدماء والعقول في سبيل الحد من الانقياد وراء اعلام غريب علينا ربما كانت له اهداف غير معلنة لطمس الهوية وتغيير الملامح وتشكيل الثقافات كيفما شاء موجهوه.
@@ عيد ابراهيم