خسر اليسار الشارع العربي منذ ربع قرن وبدأت تداعيات السقوط تتوالى تباعا منذ النكسة الى تفكك الاتحاد السوفيتي الى سقوط جدار برلين الى تفكك جبهات التحرير وعودته لدياره (في الخليج العربي) كطيور فرادى لا كسرب, و خسر كذلك الليبراليون بشكل عام الشارع العربي - وعموما لم يكن لهم حضور يذكر منذ المد الاصولي في ظل وجود شارع محافظ بحكم العادة و الموروث- انما اللافت للنظر ان احدا من هذين التيارين المتقاربين والمشتركين في عدة تقاطعات, لم يملك الجرأة على الاعتراف الى يومنا هذا بالاسباب الذاتية التي ادت لفشله في كسب ود الشارع, وتجرأ أحدهم بالامس على شاشة تلفزيون ابوظبي بتشبيه خسارة الليبراليين في الانتخابات الكويتية الاخيرة خاصة وتوقعات فوزهم رهنت بتحرير العراق! بانها كخسارة تشرشل و خسارة بوش الأب من بعد خوضهما الحروب!!
الشارع العربي أبسط مما يتصوره الليبراليون بكثير وهذه واحدة من غلطاتهم الكبرى, فهم يعتقدون انهم لا يملكون الشارع لانهم لا يملكون المنابر, ولان الحكومات عقدت تحالفاتها مع الاصوليين لمحاربتهم, ولان هناك تخلفا في مستوى الوعي في هذا الشارع, ولان هناك فقرا ولان هناك امية ولانهم .. وهذه آخر التخريجات .. خسروا كتشرشل و بوش الاب!
بهذه العقلية التنافسية المتخاذلة التي تملك من الشماعات ما لا يملكه أي تيار آخر لم يكن الاصوليون -كتيار منافس - بحاجة إلا لورقة واحدة فقط كي يهزهموهم حتى قبل ان تبدأ المعركة معهم, هذه الورقة استخدمت حتى في بيع الدجاج واللحم ونجحت في اقصاء كل المسالخ عداها, يكفي رفع شعار "الذبح الحلال" لتجد طوابير المستهلك العربي وقد اصطفت خلفها بالفطرة, وانساق التيار الليبرالي بدون وعي منه وكأنه مسلوب الارادة للتخندق خطابا وسلوكا ضد الشعار اكثر من كونه ضد هذا التيار, والفرق شاسع بينهما!!
لقد نجح التيار الاصولي في اقناع الشارع العربي المحافظ المتدين بالفطرة بمساعدة التيار الليبرالي بكفاءة منقطعة النظير على ان خيار هذا الشارع محصور بين "اسلام" و "لا اسلام" بين "دين" و "لا دين" بين ذبح حلال وذبح حرام فلمن ستكون الغلبة باعتقادكم؟!
أصر التيار الليبرالي بكبرياء -اسمحوا لي- أجوف, وبتعال على هذا الشارع, وخاطبوه بلغتهم مصرين على ان يتعلم الشارع لغة خطابهم والمشكلة مشكلته ان لم يفهمهم! واختاروا بدفع من التيار الاصولي و بانسياق اعمى منهم اداة واحدة لادارة معركتهم التنافسية, وهي مهاجمة التيار الاصولي واعلان الحرب ضده في كل موقع ومكان, دون ان تكون لهم اجندتهم الخاصة, فكان استدراجا ذكيا من قبل الاصوليين وكان انسياقا -اسمحوا لي- غبيا من قبل الليبراليين!! التيار الاصولي يدعي امتلاك الاجندة على الأقل هو يروج لشعارات محددة تلقى قبولا معنويا عند شارع محبط ومرهق, بل وعوده تمتد حتى إلى ما بعد وفاة تابعيه! فماذا تملكون انتم؟ اذ حتى لو امتلكتم المنابر التي تعولون عليها, وحتى لو تحالفتم مع الحكومات بدلا من الاصوليين, ماذا ستقدمون للشارع؟ تلك هي المسألة التي لم تأخذوها على محمل الجد الى يومنا هذا, اقتصرت معركتكم على اسقاط التيار الاصولي لا على نجاحكم كتيار وشتان بين (التكتيكين), فكانت هزيمتكم فضيحة دويها مسموع منذ زمن غير ان آذانكم صمت بايديكم.