(نريد أن نرى وجهينا من غير مرآة) بهذه الجملة القصيرة البليغة الموجعة توجز التوأم السيامي الايرانية لاله ـ يرحمها الله ـ حلما ظل يراودها وشقيقتها منذ أيام الطفولة الباكرة في أن تعيشا، انسانتين منفصلتين يكون لكل منهما عالمها الخاص وحياتها الخاصة بكل ما تعنيه من استقلالية وخصوصية وحرية في الحركة, وان يكون لكل منهما اسرارها وأحلامها الخاصة مثل كل انسان آخر. رؤية كل منهما وجه شقيقتها من غير مرآة هو السبب الذي دفعهما الى الموافقة على الذهاب تحت سكين الجراح, ذلك الذهاب الذي أودى بهما الى الموت ليتحقق وبطريقة مـأساوية حلمهما بالانفصال , انفصال بالموت , وما الموت في جوهره وحقيقته الا انفصال , انفصال الأموات عن الأحياء , اذ ينفصل الإنسان الميت انفصالا لا نهاية له يتجسد في الحياة الدنيا بقبر يسكنه وحيدا الى يوم يبعث وحيدا ليحاسب منفصلا ووحيدا .
ذهبت الشقيقتان الى سنغافورة ملتصقتين كما جاءتا الى الحياة وفي داخلهما يسقسق الفرح بقرب تحقق حلمهما , وعادتا الى ايران كما ارادتا منفصلتين ولكن في تابوتين , وفي المسافة بين الحالتين , حالة الالتصاق وحالة الانفصال يثور الجدل وتتقافز الأسئلة عن الأبعاد والجوانب الأخلاقية واللاأخلاقية لما حدث لهما. فقد ارتفعت أصوات تخطىء الفريق الطبي الذي أجرى عملية الفصل رغم وجود المؤشرات الواضحة على خطورتها واصوات اخرى تدفع بالتساؤلات عن حق المريض في تقرير مصيره كما فعلت الشقيقتان بموافقتهما على الخضوع لعملية بالغة الخطورة.
عملية الفصل ونهايتها المأساوية مسألة اشكالية بالغة التعقيد وليس من السهولة بمكان ان يفضي الجدل حولها الى مواقف واجابات حاسمة قاطعة عند كل طرف من الاطراف المختلفة حولها , إذ يبدو ان هذه المسألة مثل الكثير من المسائل والقضايا في الواقع المعيش لا يمكن لأي من الأطراف المتنازعة والمختلفة الادعاء بأنه على صواب وانه يملك الحقيقة المطلقة. هل كان الأطباء مخطئين في اقدامهم على اجراء العملية وتفاؤلهم
بنجاحها؟ الاجابة بالايجاب ليست سهلة على الاطلاق ولن تكون سهلة عندما تأتي بصيغة النفي ايضا . ان تخطئة الفريق الطبي تعني تجريمه ضمنيا وغلبة الاخلاقي على المهني والعملي الانساني في جوهره , مما يهدد بتحول الأخلاقي اذا ما تم استحضاره في كل حالة مشابهة الى كابح يعيق الحركة التطورية للطب , فقد يصبح مصدر خوف ينتاب كل طبيب اذا ما فكر في اجراء مثل هذه العملية اوعملية أخرى . يمكن مساءلة ماحدث في سنغافورة من وجهة نظر اخلاقية لو أنه كان عملية يوثينيجية (euthanasia ( بقصد اراحة الشقيقتين بتوجيه ضربة أو رصاصة الرحمة اليهما (coup de grace) , ولكنها كانت عملية اجريت بقصد تحقيق حياة افضل لهما , أما المبالغة في القول ان الفريق الطبي اقدم على اجراء العملية لتحقيق انجاز طبي كبير يسجل لرئيس الفريق ومساعديه فقد يفتح البوابة للاسقاط وتحميل الأشياء ما لا تحتمل والنوايا السيئة ايضا , مما ينذر بظهور نوع جديد من الارهاب ـ الارهاب الطبي الذي لن تكون نتائجه ايجابية ونافعة بالضرورة كما هو الحال مع اي نوع من الارهاب .
أما التساؤل عن مدى الحرية التي ينبغي ان يتمتع بها الأطباء تساؤل مشروع لكنه يطال مسألة بالغة التعقيد ايضا , فتحديد حرية الطبيب يتطلب وجود من يرسم حدودها وهو الأمر الذي يثير بدوره التساؤل عن شرعية فعله وجدارته بالتحديد , ونظرا لتعدد واختلاف الحالات المرضية فان هذا يترتب عليه وجود حريات طبية متعددة مختلفة ايضا . اما التساؤل عن حق المريض في تقرير مصيره فيشم فيه رائحة الوصاية , فمن يملك حق الوصاية على المريض خاصة اذا كان انسانا عاقلا ناضجا يعي خطورة ما يتخذ القرار بشأنه؟