يرتفع أطول برج به ساعة في أوروبا فوق مصنع مهجور لانتاج الات الغزل في ويتنبرج وهي بلدة موحشة في شرق المانيا هجرها ثلث سكانها خلال العقد المنصرم.. وبعد مرور 12 عاما على اغلاق المصنع وتسريح ثلاثة الاف عامل به لا تزال الساعة التي ترتفع بطول 30 مترا والتي يقارنها اهالي البلدة بفخر بساعة بيج بن الشهيرة في لندن تعمل بدقة في مشهد موحش فوق مصنع خاو.
وربما يمضي الوقت ببطء في ويتنبرج وهي بلدة تتلاشى على بعد 160 كيلومترا غربي برلين بها مبان خالية ومدارس مهجورة ومتاجر أغلقت أبوابها وخطوط للسكك الحديدية غطاها العشب وميناء يعلوه الصدأ على نهر البه.
وتقلص سكان ويتنبرج من 33 ألفا قبل سقوط سور برلين في عام 1989 الى نحو 21 ألفا مما حول مناطق كبيرة من البلدة التي كانت مركزا صناعيا الى مدينة أشباح بحق.
وخروج السكان مشكلة تعانيها مئات البلدات والمدن في الولايات الالمانية الشرقية التي كانت ضمن حدود المانيا الشرقية الشيوعية حيث هجر ما يقرب من مليوني نسمة المنطقة التي تعاني الركود منذ اعادة توحيد شطري المانيا وذلك لعدم وجود وظائف في المقام الاول.. ولكن لم تكن التغيرات الديموغرافية مؤثرة في اي مكان مثلما هي مؤثرة ويتنبرج حيث تتركها عائلات شابة انتقلت للعيش في الغرب مخلفة وراءها المسنين والاقل مهارة. ويبلغ متوسط أعمار سكان ويتنبرج الان 49 عاما مقابل 39 عاما في عموم المانيا.
قال ستيفن هيرش المرء يزداد عزلة هنا وهيرش ـ 34 عاما ـ وعامل كهرباء عاطل وواحد من تسعة سكان فقط في شارع به 40 شقة خالية في حي باكهوف الموحش في البلدة. ومن بين 27 من زملاء الدراسة لم يتبق في البلدة سوى ثلاثة.
واستطرد هيرش قائلا ان البلدة "تتحول ببطء الى بلدة أشباح... لم يبق سوى عدد قليل من ابناء جيلي. رحلوا جميعا الى الغرب. لم تعد هناك أي فرص للعمل هنا منذ سنوات. لا يمكن لومهم. لم اعمل في أي وظيفة منذ ديسمبر.. ربما أرحل انا أيضا قريبا" وبينما ترتفع معدلات البطالة بشكل مستمر في ألمانيا الى أكثر من عشرة بالمئة فان مستوى البطالة ضعف ذلك في الأقاليم الشرقية.
وكان للتدخل الحكومي القوي لمواجهة مشكلة البطالة المتزايدة تأثير ضئيل على أماكن مثل ويتنبرج.
قال هارالد ميشيل مدير معهد الدراسات السكانية التطبيقية "التطورات في ويتنبرج مزعجة بشكل خاص... كل الشبان يرحلون ويتركون وراءهم الأكبر سنا ومن يسمونهم "الفاشلين" الذين لا يتمتعون باي مهارات" وقال ميشيل إن لتراجع السكان في ويتنبرج اثارا بالغة أكثر من أي مكان اخر في الولايات الألمانية الشرقية. وأضاف ان المشكلة تزداد سوءا لان السكان الذين تتراوح اعمارهم بين 20 عاما و30 عاما وهم في فئة عمرة رئيسية من حيث الانتاجية يغادرون البلدة.
واستطرد قائلا "لا يمكن عمل شيء لمنع هذا" مضيفا ان السلطات كانت تأمل ان يتباطأ انتقال السكان في منتصف التسعينيات الا أنه عاود الارتفاع حيث يغادر حوالي 100 ألف نسمة البلدة في كل عام الان.
وتتصدر الشابات عملية الخروج حيث انهن أكثر مهارة بشكل عام كما ان لديهن فرصا افضل للعثور على شريك لهن في الغرب. وهناك الان 130 رجلا مقابل كل 100 امرأة في الشرق. وتراجع المعدل السنوي للمواليد في ويتنبرج من أكثر من 400 سنويا في عام 1989 الى حوالي مئة في السنوات الاخيرة.
وفي المناطق الصناعية السابقة في شرق المانيا يعيش أقل من 50 نسمة على كل كيلومتر مربع وهو اقل من نصف الكثافة السكانية قبل عقدين. وذلك مماثل للمعدل في المناطق الريفية في اليونان وأسبانيا. لكن ميشيل لا يرى "خطرا ملحا للتحول الى مدن أشباح وان كان تراجع السكان في مركز صناعي كبير كهذا في قلب المانيا أمرا غير مسبوق" واضاف انه "لا يمكن العدول عن هذا التراجع".. والاحساس بالكابة ملموس في ويتنبرج حيث تريد البلدة ازالة 3200 شقة غير مأهولة في اطار مشروع معروف باسم الازالة هدفه هو اقامة متنزهات ومساحات خالية.. وتخصص حكومات الولايات والحكومة الاتحادية 7ر2 مليار يورو (ثلاثة مليارات دولار) لازالة الشقق غير المأهولة في الشرق.
قالت فيرينا ترنر وهي ربة منزل عمرها 35 عاما "بدأ لمكان من حولنا يبدو كمدينة أشباح" وكانت تشير الى صف من البيوت الخالية في الجهة المقابلة من الشارع قرب نهر الالب ومضت تقول "كان هذا شارعا مزدحما والان يبدو كأطلال تخلفت عن حرب" وفقدت البلدة التي يعود تاريخها الى القرن الثاني عشر ثمانية آلاف وظيفة صناعية منذ توحيد المانيا في عام 1990. فقد أغلق مصنع الات الغزل ومعصرة للزيوت ومصنع للكيماويات. ولا يزال ممكنا رؤية ما تبقى من اثار البلدة التي يمكن الافتخار بها اليوم في مناطق قليلة بالبلدة خصوصا مبنى البلدية الكبيرة الرمادي اللون. ولكن في مناطق أخرى قريبة هناك مبان مغلقة تعاني من حالات مختلفة من اليأس وعلقت على مبان أخرى لافتات مكتوب عليها للبيع وان كان من المستبعد أن تعثر على أي ملاك.. وأغلقت مدرستان من بين أربعة مدارس ابتدائية.