أيام الدرب

1 أفاق على صوت تصفيق حاد، أحدهم يقص الشريط الأحمر إيذانا بالافتتاح. الوفد يتجول في مرافقة بإعجاب، مصارف مياه عصرية.. كبائن هاتفية متوفرة.. دورات مياه مغرية.. شجيرات وزهور باسمة.. خطوط فوسفورية دقيقة.. لمعان كالمرآة، والكل يمجد في عظمته.. ..صمت.. وميض التصوير أتخم الفضاء.. أحدهم يعتلي منصة.. إن هذا الإنجاز.. لهو تجسيد خالد لما بلغناه من عظمة ورقي، خلاصة عرقكم، وتتويج إنجازاتكم، اليوم.. تحدق بكم عيون العالم بانبهار، مائة كيلو متر من اجود أنواع الاسفلت.. ثلاثمائة ألف شجيرة مزهرة.. عشرون وحدة اتصال.. أعمدة النور اللاسلكية تغنينا حتى عن الشمس، إنه ميلاد جديد بلا شك.. تهانينا. تصفيق مستمر.. طقطقة كاميرات.. بلبلة .. جلبه.. تملق، سيارات فاخرة تنتظم، يستقلها مجموعة من المتأنقين ثم تسير بتأن. من نوافذها حدقت الأعين المنبهرة مسلمة بأنها أمام أعظم منجزات القرن. 2 هذه السيارات الفارهة، أصبحت صديقاتي، يعبروني بخيلاء صارخ الواحدة تلو الأخرى، تنعشني إطاراتهن الناعمة، لا أعتقد بأنهن سيستغنين عن خدماتي يوما ما، ربما سيزورونني يوميا.. يالحظي الضاحك. .. ما هذا.. سيارات مهترئة، متهالكة، متفككة، آه.. أكره هؤلاء المتطفلين، ألا يعرفون حقيقة أنفسهم؟ يدهسون من هو أعلى منهم؟ ثرى. لماذا يعبرون من هنا، لماذا لا يستخدمون الشارع القديم.. مثلهم، إنهم يلوثون وجهي المشع، ولكن لامناص من خدمتهم، فأين المهرب؟. 3 سيارة فارهة تعبر مسرعة.. تشق الهواء، تنثر سخامها وتمضي.. سيارة تحتضر.. بطيئة.. مترنحة، صوتها فقط يشق الهواء، تنثر سخامها وتمضي.. حادث مروري مروع، خلف سوائل مختلطة تجمع بين الحمرة والسواد تتكاثف هنا وهناك وبعضها يزحف بطيئا نحوة مصارف المياه.. الهواء استثقل ما فيه فنزل مطرا أعاد سخام السيارات إليها واليه. تقرحت بشرته.. امتلأ وجهه بالندوب. السيارات الفارهة تغرق في شتمه في كل مرة تعبره. عمال يحفرون شقوقا طويلة ثم يردمونها كيفما اتفق. كثرت فيه القروح والدمامل المتقيحة. جميع السيارات تلعنه. الآن.. هو لا يفرق بين سيارة فارهة أو مهترئة.. جديدة أو قديمة، إنه يخدم الجميع صامتا.