DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الملعب لمن يجيد قواعد اللعبة

الملعب لمن يجيد قواعد اللعبة

الملعب لمن يجيد قواعد اللعبة
الملعب لمن يجيد قواعد اللعبة
أخبار متعلقة
 
كعادة كل الطفيليين فرض احدهم نفسه على سفرة عامرة، وانهمك يقطع لحم الحمل بعنف ويأكل منه بشراهة. فقال احد الحضور مناكدا: اراك تنقض على لحم الحمل بشراسة وكأن أمه قد نطحتك، ورد الطفيلي قائلا: واراك تدافع عنه بحماسة وكأن أمه قد ارضعتك! وهذا المنطق المتأرجح بين (النطح والرضاعة) هو السائد في كل حوار، اي عند الوقوف مع الفكرة او ضدها. فأحد المناظرين لا يرى الا المزايا. والآخر لا يرى الا العيوب، ويمكن تعميم ذلك على المدافعين عن العولمة ونظرائهم ممن يرشقونها بالحجارة، وكأنه لا توجد منطقة وسطى بين هذا المنطق وذاك، او كأنه لا توجد أية ارضية مشتركة يمكن للمناظرين الوقوف عليها، ان لدى من يقول (نعم) للعولمة اسبابه وتطلعاته، ولدى من يقول (لا) تحفظاته ومبرراته. لكن قد يفوت على من يرفعون لافتة (لا) هنا وهناك ان العولمة تتسلل كالهواء دون الحصول على اذن مسبق، وان العزلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم تعد ممكنة في أيامنا هذه، ربما كان ذلك ممكنا قبل هذا العصر الالكتروني، حيث لم يكن التلفون والتلفزيون والفاكس قد اخترع بعد، ولم يعرف الناس الصحون اللاقطة والرادار، والآلات الطابعة والناسخة، واشعة الليزر وبطاقات الائتمان، ولم يصعد الانسان القمر، ولم نسمع بالأقراص الصلبة والمرنة، وشبكات الاتصال المعقدة، اي قبل ان يصبح كل شيء الكترونيا من الكتاب والمجلة الى التسوق والدراسة مرورا باختيار شريك الحياة الذي قد يتم احيانا عبر الشاشة. ولعل من علامات عولمة الثقافة انني قد اثقلت هذا المقال بمفردات جديدة على اللغة العربية، لا يقرها ابن منظور، وهي عبارة عن اسماء مخترعات حديثة او مصطلحات سياسية وفلسفية لم يسمع بها مؤلف لسان العرب، فلم يضع المدقق اللغوي الالكتروني تحتها خطا احمر.. في حين تمتلىء الشاشة بالخطوط الحمراء عندما انقل اليها بعض ابيات من معلقة طرفة بن العبد (لخولة اطلال ببرقة ثهمد). كنت في صغري احسب ان تخوم قريتي الصغيرة هي نهاية العالم، اذ لا شيء بعد تلك الحدود، ولا استبعد ان يكون بقية اترابي قد ساورهم مثل ذلك الشعور، لكنه لا يوجد صبي، الآن يفكر بتلك الطريقة، وكيف يخطر بباله ذلك الخاطر وهو يرى ويسمع ويكلم ويراسل العالم يوميا عبر شاشة الانترنت او التلفزيون، وفي ظل كل هذه الامكانيات وتغلغل كل هذه التقنيات في حياة البشر، لابد ان تتغير قواعد اللعبة، فمن صواريخ عابرة للقارات الى قيم وانماط سلوك ومظاهر استهلاك عابرة للمجتمعات والثقافات يسميها بعضهم غزوا او اختراقا ثقافيا، ويسميها آخرون تماسا وتواصلا، تتباين المسميات وفقا لعلاقة المتحاورين بـ(ام الحمل) وما اذا كانت تلك الام قد نطحت المحاور ام أرضعته، لكن آليات هذا التماس والتواصل او الغزو والاختراق موجودة في كل بيت، ومن الصعب، والحال هذه التجديف عكس التيار او اعادة عقارب الساعة للوراء، فذلك من قبيل محاربة طواحين الهواء، ونافورات الماء. ولعل ما يثير قلق ـ ان لم نقل حفيظة ـ بعض المثقفين، فيناوئ العولمة ومشتقاتها، وكأن أمها قد نطحته، هي انها قد قامت على انقاض بعض الاحلام والتطلعات واليوتوبيات الفكرية، والمفاهيم المجردة التي بقيت تطل من عليائها دون ان تلامس ارض الواقع، كما قامت على انقاض بعض الاسوار والقلاع الثقافية والأيديولوجية التي تداعت في العقد الاخير من القرن العشرين قلعة بعد اخرى، حيث تبخر في الهواء كل ما كان صلبا، اضافة الى الشعور بالغبن تجاه عدم التكافؤ او الندية بين اللاعبين من شمال الكرة الارضية وجنوبها. لكن بالرغم من اصرار بعض اللاعبين على ان يكون ندا او سيدا الا انه لا يمتلك من ادوات الندية ما يؤهله لذلك، وليس لديه لتحقيق حلم السيادة الا الحلم نفسه، اما المفارقة العجيبة فهي ان تجد اكثر الناس شجبا وتنديدا بالعولمة، او بتعبير آخر اكثرهم رشقا لأم الحمل بالحجارة اعظمهم استمتاعا بلحم الحمل، فهم ـ والحال هذه ـ يسبون الشجرة ولا يتحرجون من الاستمتاع بثمارها، والثمرة هنا هي كل معطيات التكنولوجيا الحديثة من مخترعات ومكتشفات ووسائل حضارية حديثة في مجال الطب والزراعة والهندسة والاتصال والاعلام. صحيح ان الحضارة الانسانية عبارة عن سلسلة متصلة من التجارب والتراكمات المعرفية والفكرية ومن ثم فهي مشروع بشري مشترك الا ان اسهم الشركاء ليست واحدة، كما ان بعض تلك المشاركات قد اصبح ماضيا او تاريخا او زيتا يغذي قناديل الحنين. يخشى الذين يرفعون لافتة (لا) ان تلتهم الكيانات الكبرى الكيانات الصغرى اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وهي كيانات مثقلة بالديون ومحاصرة بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية، اما الالتهام الاجتماعي والثقافي فيعني التهام كل ما يتعلق بالقيم الاخلاقية والعادات والتقاليد واللغة والأذواق والفنون وبقية المكتسبات المتوارثة. وبين هؤلاء واولئك يقف بعضهم موقفا وسطا، فلا يساوي بين المنتج والمستهلك، او بين المرسل والمستقبل. ويسعى اصحاب هذا الموقف الى بلورة رؤية تطرح بديلا عن الذوبان (التبعية) او التصلب (العزلة) شكلا من اشكال المشاركة الفاعلة المسؤولة، فتعترف بحضارة واحدة وثقافات متعددة متجاورة، وتطرح بديلا عن التبعية الاقتصادية شكلا من اشكال الشراكة او الاكتتاب في (شركة مساهمة) حسب تعبير جورج طرابيشي، لكن هذا لا يعني التساوي المطلق في حصص او اسهم الشركاء، ذلك ان الموقع في هذه الشركة الكونية الكبيرة يتحدد بعدد ما في محفظة العضو من اسهم، لكنه خير من التطفل على المائدة والاستهلاك فقط. وتمثل عبارة أمين معلوف هذا الموقف خير تمثيل حيث يقول: (العالم ملك لكل الذين يريدون ان يجدوا موقعا فيه اكثر من اي وقت مضى، وملك للذين يسعون الى استيعاب القواعد الجديدة للعبة مهما كانت محيرة لخدمة مصالحهم)، وهي العبارة التي اوحت لي بعنوان هذا المقال.