كنت أظن ان قصص التضحية والإيثار قد جفت ينابيعها في هذا الزمان حيث تكالب الناس على الماديات وانحسر مد القيم الى صفحة في دفتر التعبير المدرسي, ولكن الأم مسفرة القحطاني والبطل ناصر الراجح ـ رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته ـ وما كان لهما من دور بطولي يتخطى الواقع والخيال فتحا صفحة جديدة في سجل القيم, فتلك الأم رمت بنفسها رغم أنها لا تعرف السباحة, ورغم أنها أنثى ولكن طبيعة الأمومة غلبت ضعف الأنثى, وذلك الشهم الذي لم تحدثه نفسه بكلمة (وأنا ما علي, ما دخلني او نفسي أولى), مما يدل على أصالة إيمانه ونبل أخلاقه في مساعدة أخيه المسلم, وربما رأى في الطفل احمد صورة أحد أبنائه, وربما يأتي بعض ضعاف النفوس بتفسيرات سلبية تعكس فشل حياته الزوجية, ولكن الحقيقة تثبت أصالة نفسه وكرم أخلاقه وإيثاره للآخرين وقد بذل جهدا كبيرا في انقاذ الطفل الذي وجد حيا فوق جثته.
ان في أسلوب وفاة هؤلاء حياة لكثير من الناس الخائفين والمترددين والذين غلبهم حب الحياة والأثرة على الإيثار. وحقيقة لا يكفي فقط أن نذكرهما بكل خير ونترحم عليهما, وإنما ينبغي تخليد شجاعتهما وبطولتهما بأسلوب مناسب يتذكره مرتادو الشواطىء ويذكرهم بأنه في حال غياب او تأخر حرس الحدود سيجدون أبطالا آخرين متطوعين لا يلبسون البدلة الرسمية.
ولا أقل من ان تقوم إدارة حرس الحدود او جهة عمل ناصر الراجح او احدى الجمعيات الخيرية بتسديد ديون هذا البطل. وأظن انه من المناسب تضمين وإدراج قصتهما وشجاعتهما في أحد مناهج المقررات الدراسية كالمطالعة او التعبير وذلك لتشجيع النشء على تبني قيم الشجاعة والتضحية والإيثار.
انني أرى هذين الفقيدين عملة نادرة في زمن رخيص.
