كنت أعتقد ان صكوك الغفران ومفاتيح الجنة حكر على ديانات كانت فاعلة في تغييب العقل في القرون الوسطى، لكني اكتشفت ان معظم الذين يلبسون جلباب التدين يخلعون بكرم زائد هذه الاعطيات والهبات على من يريدون، تأييداً لتوجه سياسي أو فكري، أو ضرباً لتوجه آخر.
تحول رأسي الى كمية غير معدودة من علامات التعجب، قبل أيام وانا اقرأ خبراً ينقل عن أحد المشايخ في لبنان، وصفه لنجلي الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، عدي وقصي، اللذين قتلا في مواجهة مع القوات الامريكية، بأنهما (شهيدان). الشيخ هو ماهر حمود وهو كما وصف الخبر (رجل دين وعضو في تجمع العلماء المسلمين في لبنان).
وقال حمود وهو يخطب الجمعة في صيدا، كبرى مدن جنوب لبنان: (عدي وقصي سقطا شهيدين وهما يقاتلان الاميركيين الغزاة..انه موقف مشرف).
وربما لم يتابع الشيخ التصريحات التي قالت ان الشقيقين اللذين مارسا التسلط والتجبر على الشعب العراقي كانا فارين وكما يقال في اللهجة المحلية السعودية (يبحثان عن الفكة).
وأكد الشيخ حمود أنه واذا كان عدي وقصي ارتكبا جرائم عندما كانا في السلطة فانها لا تقارن بما يرتكبه الاميركيون الان في العراق والعالم بأسره. واحسب ان الشيخ حمود لم يسمع او يقرأ شيئاً عن المقابر الجماعية التي كان نظام صدام وعدي وقصي يحفرها بالمئات لجثث العراقيين التي كانت تدفن دون احترام لمشاعر الانسانية.
لم يعلم حمود او غيره عن مذابح الشيعة في الجنوب والاكراد في الشمال، وكل من فتح فمه في العراق الا ان يكون يريد التثاؤب.
لقد تذكرت دعابة كان يرددها صديق عن سبب انتشار اطباء الاسنان في العراق أبان حكم الطاغية صدام حسين، وكان الجواب: لان عيادة طبيب الاسنان هي المكان الوحيد الذي يمكن ان يفتح العراقي فمه فيه. واحسب ان اطباء الاسنان تحولوا الآن في العراق الى صحافيين حيث يوجد في العراق اكثر من 150 صحيفة، في انتعاش لا سابقة له للحريات الصحافية في العراق.
لا اؤيد الغزو الامريكي للعراق لكنه لا يقارن بحال بما فعله النظام البائد، من تقتيل وتشريد واغتيالات، وهتك للحرمات، وقمع للحريات، مالم يحدث مثله في العصر الحديث في مكان في العالم.