توحي دراسة بأن البحار القديمة ربما انقسمت الى طبقتين متميزتين تشبهان الاحوال القائمة الحالية في البحر الاسود, اي انها قادرة على اعانة الحياة في الطبقة السطحية العليا ولكنها خالية من الحياة في الاعماق.
وحسب الباحثين في جامعة هارفرد الفارق الرئيسي بين الطبقتين كان مستوى الاوكسجين الذائب في الماء.
وقال عالم البيولوجيا اندرونول محرر الدراسة التي نشرت في مجلة (Nature) لقد كان نمط الكيمياء الذي شاهدناه مفاجئا. وما لا حظناه ان مستوى الاوكسجين في مياه البحر لم يكن ادنى بكثير مما هو اليوم فحسب, بل ربما لم يكن يتجاوز نسبة مئوية ضئيلة من المستوى الحالي.
ان الاوكسجين يتوزع بشكل متساو تقريبا في البحار الحالية, وحتى في الاعماق السحيقة مما يتيح ازدهار الحياة البحرية حتى على عمق الوف الامتار تحت السطح.
ولكن في البحار القديمة كان الاوكسجين وفيرا فقط في المياه الضحلة - تماما (مثلما هو الوضع في البحر الاسود حاليا), كما جاء في الدراسة.
لم يقرر نول وزميله في هارفرد يانان شن مستوى الاوكسجين في البحار القديمة بالنظر الى البحار الحالية بل اعتمدا مقارنة تركزات الحديد والكبريت في عينات من الصخور الارضية. وقد اخذت هذه العينات التي يبلغ عمرها مليار ونصف المليار سنة, من حوض نهر روير النائي في الاراضي الشمالية في استراليا.
وقد اشارت المساطر الصخرية تلك الى المستويات النسبية للاوكسجين اللازم للتفاعل مع الحديد والكبريت لتكوين مختلف المركبات الكيميائية على مختلف الاعماق في البحار القديمة - وهذه مقاربة ابتكارية لتقدير مستويات الاوكسجين. وقد حظيت هذه الطريقة باستحسان باحثين آخرين.
وقال ماثيو هوتغن الباحث في جامعة ولاية بنسلفانيا الذي كتب تعليقا نشر الى جانب الدراسة في المجلة: (حتى الآن لم يكن هناك دليل قاطع على وجود كتلتين مائيتين متميزتين كيميائيا).
ويعتقد العلماء انه حدثت زيادة كبيرة في مستويات الاوكسجين قبل 4ر2 مليار سنة, وتبع ذلك فترة طويلة تدعى الحقبة البروتيروزوية قبل ان تباشر مستويات الاوكسجين ارتفاعها من جديد قبل حوالي 800 مليون سنة. وقد حدث ذلك الارتفاع قبل ظهور الحيوانات الكبيرة وانفجار اعداد عظيمة من مختلف الاجناس والاحجام.
وتضيف دراسة هارفرد ادلة جديدة تؤيد الاطار التطوري الزمني لانها تقدر ايضا تركيز الكبريت في البحار وهذا مؤشر مهم للاوكسجين لتطور الحياة النباتية والحيوانية العصرية.
ويقول نول: انه لا يستبعد ان يكون عدم تساوي مستويات الاوكسجين في الطبقات السفلى من مياه البحر قبل حوالي المليار سنة اي حوالي نصف عمر الكرة الارضية قد لعب دورا في فرض فرامل قوية على التطور.
وقال دافيد دي ماري خبير الجيوكيمياء في مركز ابحاث ايمس التابع لوكالة الطيران والفضاء الامريكية: ان الدراسة ستسهم في امتحان النظريات المتعلقة بكيفية تأثير كيمياء المحيطات على النشوء.
وقال ماري: ان النظرية القائلة ان مستويات الاوكسجين لعبت دورا كبيرا في توقيت قيام النباتات والحيوانات ما هي الا نظرية.
الا ان هذا البحث يوفر لنا ممسكا على مقاربة جديدة لاستكشاف مستويات الاوكسجين وكيفية ترجمتها الى احداث بيولوجية. هذا ما نريد ان نذهب اليه في النهاية.