عندما جاء الحجاجُ إلى العراق والياً عليه من قبل الخليفة عبد الملك بن مروان، كان أولَ ما فعله.. خطبة شهيرة خلّدها له (التاريخ) قال فيها: أما والله إني لأحمل الشرَّ بحملهِ وأحذوهُ بنعله وأجزيه بمثله، وإني لأرى رؤوساً قد أينعتء وحان قِطافها، وإني لَصاحبُها.
الحجاج، لم يقصد ـ بالطبع ـ بخطبته تلك ممازحة أهل العراق، فقد عني ما قال، وقطف من الرؤوسِ ما يزيد على مائة ألف، وفرض طاعته طوال فترة حكمه، زارعاً في قلوب أهل العراق من الرعب ما زال مسيطراً عليهِمُ حتى اليوم. وهو الرعب نفسه الذي مكّن صدّام حسين من حكمهم طوال أكثر من ربعِ قرنٍ من الزمن.
وإذا كانت اليوم.. تحل الذكرى 13 لأكبر مأساة حلت بالتاريخ العربي في العصر الحديث، واليوم أيضا تكون الذكرى بدون المتسبب في هذه المأساة.. المتسبب الذي استطاع اختزال شعب بأكمله في شخص (الرئيس) للدرجة التي أفصح عنها طبيب معالج .. ظاهرة (غضب الرئيس) والنتيجة رؤوس تقطف دون وقت حصادها!
مصادفة ليست غريبة، نتأكد من أنه لن يعيها إلا القادرون على قراءة كتب التاريخ جيدا والاستفادة من دروسه مهما كانت غالية الثمن ومهما كانت مفجعة.
في مثل هذا اليوم بالضبط، سجلت الساحة العربية أول سابقة بغزو الكويت من قبل الشقيق والجار العراقي، وذهلنا ـ كعرب ـ ونحن نرى عاصمة عربية تسقط وتنهب وتسلب في صورة حية على الهواء تفوق الروايات، وكان منظر الجندي العراقي بدباباته مثيرا للرثاء والحسرة على زعماء الكلام وأبطال الخطب والشعارات الذين انكشفوا عند أول اختبار حقيقي، وأصبح الحديث عن (أم المعارك) مهزلة و(أم الحواسم) أكثر سخرية.. ومهانة!
13 عاماً .. والعرض الهزلي لم يتوقف بعد، دفع فيها المواطن العراقي ومعه العربي ثمنا فادحاً نتيجته سقوط بغداد نفسها تحت الاحتلال واكتشاف مآسي وعورات النظام السابق بحق شعبه الذي لم يستطع بعد الخروج من النفق المظلم.
اليوم نحن في حاجة لاستذكار حكمة التاريخ وسر الرقم 13
بقيت الكويت، واختفى (الحجاج) مكتفيا من تحت الأرض بشرائط صوتية.. حتى إشعار آخر!!
( مراقب )