يستاء الصحفيون عندما يستمعون أو يقرأون عبارة (كلام جرايد) وهي مقولة يرددها بعض القراء الذين كونوا هذا الانطباع بعد سلسلة من التجارب مع صحف لا ذنب لها إلا أنها تنقل ما يقوله بعض المسئولين، دون أن تملك السلطة لإجبارهم على تنفيذ ما تتضمنه تصريحاتهم من وعود هي أشبه بكلام الليل الذي يمحوه النهار. مع أن هذه الصحف كانت صادقة وأمينة في نقل أقوال وتصريحات أولئك المسئولين، دون أن تتحمل مسئولية تنفيذها، وبمراجعة بسيطة لأقوال بعض المسئولين في عالمنا العربي نجد أن نسبة كبيرة منها لا تنفذ، فما ذنب الصحافة في هذه الحالة.
وهذا على كل حال لا ينفي أهمية الصحافة باعتبارها مرآة المجتمع والمعبرة عن تطلعاته وطموحات أبنائه. وهي كمنير للرأي لا يمكن التقليل من أهميتها ودورها في دعم التنمية ورسم اتجاهها وتصحيح مسارها، بل ان ما يكتب في الصحف يفوق في الأهمية على المستوى العلمي، ما يتضمنه، بعض الرسائل العلمية التي لا يرى أكثرها النور، لأن مصيرها الحفظ في أرشيف الجامعات إلى أن يتجاوزها الزمن، ويفقد موضوعها قيمته العلمية.
فمقولة (كلام جرايد) إذا صحت من ناحية، فإنها غير صحيحة من نواح أخرى، فما ينشر في الصحف هو تعبير عن مجموعة الحقائق التي يعيشها المجتمع سلبا أو ايجابا، بل هي تعبير عن مجموعة القيم التي تحكم مسار الحياة في ذلك المجتمع، بكل ما فيه من حركة أو جمود، وكل ما عليه من واجبات ومسئوليات، ثم ان هذا التعبير لا يؤخذ على عواهنه، فهو لا يحتمل السخرية، بل لابد من النظر اليه من باب الحرص على الصحف والغيرة عليها، والرغبة في وصولها الى المستوى الذي ينأى بها عن كل ما يخل بعلاقتها مع القارىء، ولعل هذه المقولة تدفع العاملين في الصحافة للتفوق على أنفسهم من أجل تقديم خدمة صحفية أفضل، لذلك فهي لا تعني شيئا بالنسبة للصحف ذات الشأن الكبير في عالم الصحافة. تلك الصحف التي تؤخذ بعين الاعتبار، وتعامل كمرجع لأهم الأحداث، ومصدر لأهم الأخبار وهذا هو المفترض في الصحف دائما.
