تزامناً مع إجازة الربيع واعتدال الأجواء انتعشت أسواق وسط الهفوف التاريخي بتراثها، حيث تتخلل تلك المواقع الأثرية أسواق تعد رمزاً من رموز تاريخ الأحساء، حيث إن وسط الهفوف التاريخي يضم عددا من المواقع الأثرية، ومن أهمها القيصرية وسوق الحميدية ودروازة الكوت والمدرسة الأميرية وبيت البيعة وقصر إبراهيم، ويقع سوق القيصرية والحرفيين في قلبها . ويعد سوق الحرفيين بيتاً للحرفيين الأحيائيين ، والذي تم إنشاؤه في موقع سوق الخضار السابق وبجوار سوق القيصرية، حيث إن لهذه الأسواق أهمية تاريخية وتراثية كونها تضم أكبر عدد من الحرفيين بالأحساء الذين يزاولون أعمالهم حالياً في مواقع مختلفة من المنطقة، كما أن لهذه الأسواق دورا بارزا في العناية بالحرف التقليدية المتعددة.
ويتضمن سوق الحرفيين عناصر مستمدة من العمارة المحلية والتي تم توظيفها بشكل متناغم، حيث إن المسقط الرأسي من السوق يتكون من ممرات مسقوفة حولها صفوف من الدكاكين، بينما يكون في وسط السوق فناء مفتوح مشابه للأفنية بالبيوت التقليدية الأحسائية، حوله رواقات بأقواس ترتكز على أعمدة رباعية، ويضم الفناء قهوة شعبية بالإضافة إلى مخبز تنور تقليدي، بالإضافة إلى أن السوق يُمثل أهمية بالغة لأنه يُعد معلماً معمارياً ومقصداً سياحياً هاماً في المنطقة، الأمر الذي يدعم المردود الاقتصادي للصناعات الحرفية ويسهم في استدامتها ونقلها للأجيال القادمة.
"اليوم" تواجدت في سوق القيصرية والتقت بالزائر بخيت السويداني من سلطنة عُمان والذي قال : هذه هي المرة الأولى التي أقوم بزيارة سوق القيصرية، ولكن استمتعت كثيراً بما شاهدت من تراث الماضي وكيفية العناية به، وتعرفت من خلال الزيارة على تراث الأحساء وما تتميز به من صناعات تقليدية متعددة، موضحاً أن سوق القيصرية يُحيي التراث الشعبي ويعتني به ويدعم الحرف الشعبية.
وأضاف عبدالله المعيوف، والذي يعد من أقدم المختصين ببيع المشالح الأحسائية بأن هناك إقبالا هائلا على شراء المشالح الشتوية، وخاصة مع دخول البرد، مبيناً بأنه يتم انتقاء أجود أنواع الصوف لعمل المشالح والتي تميزه عن غيره، حيث إن هناك عدداً من زوار السوق ومرتاديه من الأحساء، ومن دول الخليج المجاورة، من يقصدون المكان من أجل اقتناء الملبوسات الشتوية الدافئة.
وأوضح المتحدث الرسمي لأمانة الأحساء خالد بووشل لـ"اليوم" أن أمانة الأحساء عملت على تأصيل التراث العمراني بوسط الهفوف التاريخي، وذلك من خلال سوق القيصرية الذي يعد أحد أهم العناصر التي يتكون منها الوسط التاريخي لمدينة الهفوف، والأمانة تتعامل معه كأحد أهم عناصر الجذب السياحي للمنطقة، فضلاً عن الثقل التجاري، وهذا الأمر يتضح من تبني الأمانة لبرنامج تطويري للمنطقة المحيطة بالقيصرية وإثرائها بالرموز المعمارية الداعمة لهوية المكان المعمارية والحضرية، حيث يبلغ عدد محلات سوق القيصرية 422 محلاً، منها 126 تعود ملكيتها للأمانة بما نسبته 39 % من المحال، و296 يتملكها المواطنون بنسبة 61 % من محلات السوق.
ويعد سوق القيصرية من أقدم وأعرق الأسواق التراثية في محافظة الأحساء، كونه وجهة ومقصدا لسكان المناطق والمحافظات والمدن ودول الخليج المجاورة، حيث يرتادونه للتسوق لتنوع البضائع التي تعرض فيه سواء المنتجة محليا أو التي يتم استيرادها، وما يميز السوق عن غيرة الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها المنطقة على مر العصور مثل صناعة المشالح والعبي والدلال والأواني والأحذية الحساوية المحلية والملبوسات والمنتجات الزراعية والجلدية والأعشاب، إلى جانب احتواء السوق على محلات صرافة لجميع العملات المحلية والعربية والأجنبية.