د. محمد الغامدي

ما يحصده الوالدان

بين منهج يسوغ كثيرا من رديء المسالك ومستهجن التصرفات، لكون فاعلها في «سن المراهقة»، وضده المُنكِر لأي خصوصية تختص بها هذه السن مستشهدا بأبطال في تاريخنا الإسلامي، دونوا أسماءهم في سجلات المجد في العقد الثاني من العمر، بينهما -وبعيدا عن صخبهما- تبرز حقيقة واضحة، وهي أن الأب والأم والأسرة عموما يحصدون في سن المراهقة ما زرعوه في عشر أو بضع عشرة سنة، دون أن يكون ذلك مسوغا لمخالفة من المراهق.فقبل أن تتأفف أيها الأب، وقبل أن تشتكي الأم ليتذكر كل منكما أن هذا الولد -ذكرا أو أنثى- هو زرعه الذي رعاه حتى تفرع ورسخ، وأن يديه أوكتا وفاه نفخ.كثير من الآباء والأمهات لا يكترث بشذوذات الأفعال، وسيئ التصرفات والأقوال من أولادهم في الطفولة المبكرة، ﻻ يشعرون بها، أو يستملحونها ويعززونها في النفوس البريئة الغضة؛ فإذا بلغ الابن أو البنت مبلغ التكليف تضجر الأبوان مما زرعا، وراعهما ما أهملا وأسرفا في إهماله مما نبت وتجذر وعشش وفرخ في نفس الولد المراهق. وإنما هو رسم قلميهما ونحت كفيهما!يُقال إن حكيما عَمَلُه تربية الناشئة حضر إليه أبٌ راجيا أن يقوِّمَ سُلوك ولده، باذلا له ما يريد من مال، وبعد فرح الحكيم بالمال، وقبوله بالمهمة، سأل الأبَ: كم عُمر ولدك؟ فقال: أتمَّ عامين من عُمره؛ فقال الحكيم: عذراً، الوقت أصبح متأخرا، فأنا عملي تأسيس لا تعديل بعد اعوجاج!عجيب ما تفعله أغلب (نعم أغلب!) الأُسر إذ لا تكاد تقيم وزنا ولا تَصْرِف أي اهتمام لزرع القيم الأساسية عند الطفل منذ أن يُبصر الدنيا، لا.. بل إن كثيرين يزرعون قيما سيئة، ويوجدون سلوكا غير مرض عند الأطفال في بدء أعمارهم، فيشوهون فطرة أحدهم، ويلوثون صفو نفسه. وهذه غفلة مُردية، وإهمال مؤسف حقا. وهو خلاف هدي الإسلام فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أخذ الحسن بن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما تمرة من تمر الصدقة؛ فجعلها في فِيه؛ فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (كخ كخ! ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟!) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. والأدلة في هذا الباب وافرة، وهذا من أصحها وأصرحها.إن تركك لطفلك أمام جهاز صغير أو كبير يقذف إليه بالطيب والخبيث من الأقوال والسلوك، وإهمالك في زرع القيم السامية في نفس طفلك من عامه الأول، وترك سمعه وبصره وإحساسه يتلوث بكل ما حوله، وعدم المبادرة إلى تعزيز أي بادرة حسنة، ومعالجة أي بادرة سوء مهما دقّت، إن فعل ذلك يجعلك المسؤول الأول عن عامة صور الانحراف مستقبلا، وليس من حقك أن تشكو، فهذا نتاج زرعك، وحصاد أرضك.