د. محمد الغامدي

غيّر خطَابك

مخطئ من يظن أن الألفاظ التي ينطقها ﻻ تؤثر عليه. بل هي ترتد إليه، وقد تملكه بعد النطق، وجزما هو لم يعد يملكها!ومن أظهر الألفاظ العائدة بالتأثير على الذات تلك المعبرة عن مشاعر، فإذا أطلقها مَن شخصيته قابلة للإيحاء سَرَتْ في نفوسهم فتشكلت بنفس الشعور المنطوق. فهؤلاء يؤذون أنفسهم ببعض الألفاظ وهم ﻻ يعلمون. ولذا نَجِدُ أن نسبة كبيرة من الناس لو قال أحدهم:»أنا ﻻ أكره كذا»؛ لبدأ توجه نفسي عنده بالكُره والنفور ممّا ذَكَرَ!وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا - من قوله- أنه قال: «البلاء موكل بالقول» وروي: «بالمنطق»، ولا يثبت ذلك مرفوعا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن ثبت في المرفوع ما يشبه ذلك، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها، ما لم تعمل به أو تتكلم))؛ متفق عليه.ففي الحديث أدب نفسي سامٍ جدا، وهو أن يعقل الإنسان لسانه قبل أن تملكه ألفاظه ويحاسب عليه في الآخرة بعد أن يتحمل تبعتها في الدنيا. إن السفيه والضعيف والمجنون لا يقوى واحد منهم على امتلاك لسانه، والرشيد القوي وافر العقل هو الذصي يحكم لسانه، وينتقي كلامه.ولئن كان شطر المقال الأول ينوه بمنزلة الكلام وأثره في الجملة، فإن متابعتي للخطاب السائد في مجتمعنا من جميع الأطياف والفِرَق والتوجهات تجعلني أوصي بأن نتنادى لتغيير خطابنا كلنا. ولا أتردد في تعميم ملحظ خشونة الخطاب وتنفيره على كل التوجهات والتيارات (لا كل الأفراد طبعا)، وأجزم بعظيم حاجتها لإعادة ضبط الخطاب وانتقاء المُفردة، وسموّ التعبير.إن حامل سراج الشرع يمكن أن يحجب نوره بالفظاظة والغلظة على حد قوله تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ»، وإن مروج الفكرة الصائبة يمكن أن يشوهها ويعكر صفوها بألفاظ مشوهة وعبارات بالسوء مموهة.هل يغني مقال عابر وسط هذا الركام؟نعم، فإن الرجاء بالله تعالى، وإن بذرة صغيرة جدا يمكن أن تكون أصل شجرة وارفة الظل طيبة الثمر.