طيارو القوات البحرية وطائرة الرئاسة الأمريكية
في صيف عام 1994م كانت بطولة كأس العالم لكرة القدم تقام في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان المنتخب السعودي هو نجم تلك البطولة. فقد خسر من هولندا بصعوبة وفاز على المغرب وبقيت له مباراة واحدة مع منتخب بلجيكا. وفي تلك الفترة كنت ضابط الاتصال للقوات البحرية الملكية السعودية بقاعدة بنسكولا البحرية، وحضرت جميع المباريات وكنت أنوي الذهاب لحضور مباراتنا مع منتخب بلجيكا والتي ستحدد إمكانية صعودنا لدور الـ 16. وقبل المباراة بعدة أيام أتى لمكتبي أربعة ضباط برتبة «ملازم أول» من طياري القوات البحرية الملكية السعودية، وهم حسب أسمائهم الأخيرة (الزهراني والحربي والدوسري والشهراني)، وكانوا في مرحلة تتطلب القيام برحلة طويلة بالطائرة تسمى (كروس كاونتري) ويحق للطيار اختيار مطار الهبوط في الولايات المتحدة الأمريكية. وطلبوا مني الموافقة على الطيران من مطار قاعدة (وايتنغ) القريبة من بنسكولا إلى واشنطن بحيث يصلون في توقيت يسمح لهم حضور مبارة منتخبنا ومنتخب بلجيكا. ولكن ولعلمهم بأن جميع تذاكر مباريات كأس العالم في أمريكا قد تم بيعها بالكامل، فقد تساءلوا عن كيفية تأمين 6 تذاكر. أربعة لهم واثنتان لمدربي الطيران الأمريكان المرافقين واللذين مهمتهما فقط الجلوس في المقعد الخلفي وعمل بعض الاختبارات المتفرقة ومراقبة وتقييم أداء الطيار إلى وقت رجوعه إلى مطار المغادرة. وعندها قمت بالاتصال بسعادة اللواء مقبل المقبل واللواء عبدالله الخويطر في مكتب الملحقية العسكرية بواشنطن؛ لإبلاغهم بالأمر، وأيضا معرفة إمكانية تأمين تذاكر عن طريقهم أو عن طريق السفارة السعودية. وبالفعل تم إبلاغي في الحال بالموافقة على الرحلة وكذلك بأنهم سيقومون بتأمين تذاكر المباراة. وبعدها غادر الطيارون الأربعة من قواتنا البحرية بطائرتين تابعتين للقوات البحرية الأمريكية. كل اثنين من الطيارين السعوديين في طائرة لقيادة الطائرة. وركب في المقاعد الخلفية للطائرتين المدرب الأمريكي الرائد (آرت كيميل) والرائد (مايك جوزلين). وبعد رحلة طيران تخللها بعض الاختبارات والتوقف في عدة مطارات للتزود بالوقود وصلت الطائرتان إلى منطقة مراقبة رادار العاصمة واشنطن ورادار مراقبة قاعدة أندروز الجوية. والسؤال هو.. أين ستهبط هاتان الطائرتان؟ في تلك الفترة كان رئيس الولايات المتحدة الامريكية بيل كلنتون وكان في ذلك الوقت قادما من رحلة داخلية بواسطة طائرة الرئاسة المسماة (اير فورس ون) ومقر محطتها هو قاعدة (أندروز الجوية). وبعد ذلك أقبلت الطائرتان التي يقودها شباب سعوديون بالهبوط. ولكن ما حدث أثناء عملية الهبوط هو أن الكثير من المراقبين الجويين كانوا يقومون بمراقبة الأجواء لتواجد طائرة الرئيس الأمريكي واستمعوا إلى أسلوب تخاطب الطيارين السعوديين الواضح مع أبراج ورادارات المراقبة ولاحظوا أيضا أسلوب المناورة أثناء الهبوط وبراعة طيارينا، خاصة أن الرياح كانت شبه عمودية على المدرج (كروس ويند) وهذا يزيد صعوبة عملية الهبوط. وبعدها وقفت الطائرتان بالقرب من طائرة الرئيس الأمريكي. وقد كنت متواجدا في قاعدة أندروز في ذلك الوقت. وبعد ذلك قمت بتسليم الجميع تذاكر مباراة منتخبنا مع منتحب بلجيكا. وبعدها ذهبنا لرؤية المباراة التي تعتبر من أفضل المباريات التي لعبها منتخبنا طيلة تاريخه ونفوز بهدف تاريخي سجله اللاعب سعيد العويران.. وغدا سأتحدث عن إنجازات طياري قواتنا البحرية. فبعضهم تحول من متدرب في أمريكا ليصبح هو من يقوم بتدريب الآخرين في أمريكا. * كاتب ومحلل سياسي