خالد الشريدة

الحل في التشغيل الذاتي

العملية التعليمية تحتاج إلى الكثير مما يدعم فكرة تطويرها وحيويتها التي تعزز الاتجاهات المستقبلية في تطوير الموارد البشرية الوطنية، فالتعليم هو حجر الزاوية لأي إستراتيجيات أو أفكار تتعلق بالتطوير والنهضة والتنمية، وقد كسبت المجتمعات التي اعتنت بمنظومتها التعليمية وارتقت بها في سلم الحضارة والنمو، ولدينا من التجارب ما يؤيد ذلك سواء في اليابان وسنغافورة وكوريا وماليزيا شرقا، ودول الاتحاد الأوروبي غربا.ترتكز تلك العملية إلى منشأة المدرسة والمناهج والمعلمين والطلاب، وهؤلاء جميعهم يخضعون لإستراتيجيات وزارة التعليم باعتبارها الذراع التنفيذية بتوفير بيئة تعليمية تتكامل فيها تلك المقومات، لتنتهي الى مخرجات نوعية وكمية قادرة على قيادة الحاضر والمستقبل بوعي علمي وفكري وحضاري وثقافي قوي.بالنسبة للمدرسة فميزانية الدولة تقرر لها مبالغ ضخمة؛ لتأسيسها على أفضل مقاييس ومعايير الأداء التعليمي المثالي، أما المناهج فالخبراء توسعوا بدراساتهم فيها لخدمة الوعي والفكر، أما الطلاب فإنهم لا يزالون بحاجة الى تنسيق نموذجي بين المنزل والمدرسة فيما يتعلق بمسيرتهم التربوية؛ لأنها أساس حصادهم وتفوقهم واهتمامهم بتحصيلهم العلمي الذي يحفزهم باطراد إلى المزيد.ويبقى جانب المعلم وهو الذي أركز عليه في هذا السياق؛ لأنه لا يزال يحتاج الى اهتمام وعناية أكثر من قبل وزارة التعليم، وهو في الواقع مزيج من الأداء التربوي العلمي والمنهجي، والتعليمي المباشر الذي يغرس في عقلية الطلاب أفضل أدوات وعناصر المعرفة الشاملة وتهيئتهم لمزيد من الكسب التعليمي الذي يجعلهم أكثر قدرة في مستقبلهم على مواجهة تحديات العطاء الذاتي المثمر.في الواقع، نحتاج إلى برنامج توظيف أفضل من السائد حاليا الذي يجعلهم رهنا بوزارة الخدمة المدنية، وتوظيف خريج الهندسة ليعمل معلما للغة عربية أو خريج زراعة ليدرس «تاريخ»، أو عمل بعضهم من المتخصصين في وظائف إدارية لا علاقة لها مطلقا بتخصصه، ناهيك عن الغربة التي يعيشها بعضهم تبحث عن عمل في الشرقية تأتيها الوظيفة في أقصى الجنوب، والحال هكذا فإننا نشهد توظيفا تعسفيا وقسريا من أجل الراتب وليس لصالح العملية التعليمية، وليس بالضرورة أن نتوقع قصورا منهم فيما تم تعيينهم فيه دون رغبة منهم، ولكن ذلك سيحدث بصورة مؤكدة لأنه وضع الأمر في غير نصابه.لتجاوز معضلة التوظيف العشوائي للمعلمين وعدم جدية الخدمة المدنية في توفير الوظائف وشغلها بحسب التخصصات العلمية للمعلمين وعدم مراعاة الجوانب النفسية والأسرية في تحديد الموقع المناسب الذي يعملون فيه، اقترح لوزارة التعليم أن تنشئ شركات خاصة أو تتعامل مع شركات قائمة أسوة بوزارة الصحة في توظيف الكوادر من خلال التوظيف الذاتي، بحيث تعمل تلك الشركات على تأهيل المعلمين وإدخالهم في برنامج تعليمي مستمر يرتكز إلى أسس تربوية وتعليمية، وفقا للتخصص، وتأهيلهم للعمل مباشرة لسد احتياجات الوزارة من المعلمين الأكفاء الذين يحصلون على جرعات تدريبية متواصلة. أعتقد أن وزارة الصحة لو لم تلجأ إلى ذلك الخيار، لكانت المشكلة لديهم أكبر، ذلك البرنامج أتوقع نجاحه؛ لأنه يخدم المعلم في تأهيله المتكامل لممارسة العملية التعليمية بشقيها التعليمي والتربوي من ناحية، ومن ناحية أخرى تطوير أدواته في تخصصه وتشبعه بممارسة متخصصة تجعله أكثر اكتشافا واقترابا من المادة التي يبرع في تدريسها، ويمكن تنسيق الجوانب الإجرائية لاستيعابهم في الشركة قبل طلب خدماتهم من وزارة التعليم أو التعليم بالقطاع الخاص بصورة سلسة ومنسقة يتفق فيها على الرواتب، لأنهم يصبحون تلقائيا الأفضل لمجمل العملية التعليمية، وبذلك تكسب جميع أطراف المعادلة وفي مقدمتها الوزارة والمعلم.* باحث اجتماعي