نجيب الزامل

متفائلٌ بالقمة التشاورية، وأضع يدي على قلبي

.. هناك أوقاتٌ تعطي فُسحةً للاختلاف أو للخروج بأي قرار.. ثم تأتي ظروفٌ تاريخية لا تسمح بهذه الفُسحة.منذ بدأ مجلس التعاون الخليجي وشعوب دوله تطلعت إلى كتلة واحدة سياسيا ودفاعيا واقتصاديا، وكانت أحلامُنا تراودنا عن اتحاد علمي ومجالس فكرية موحدة.. وكنا، وكنا. تعبت الشعوب الخليجية من انتظار تحقيق الحلم. كل برنامج أو مشروع اتحاد يكون عسير الولادة.. إن تمّت الولادة..كنا نتوقع- منطقا وموضوعا وظرفا- أن من اسهل الأمور تحقق الاتحادات، لأن الخليج ديموغرافيا واحد تقريبا، ولولا الحدود لكنا ايضا شعباً واحدا، فالعائلاتُ والقبائل هي ذاتها من الكويت شمالا حتى أدنى جنوب الخليج. أعرف عائلة واحدة تتوزع على كل دول الخليج بدون استثناء. على أن حساباتنا رغم دقتها المنطقية لم تصل للمبتغى، تبين أن السياسة الضيقة أحيانا تفسد اتفاقات كبرى.وكدنا أن نقول خلاص ملـّينا.هناك من يؤمن من فلاسفة التاريخ ودارسيه بأن التاريخ بأحداثه كفيل بتحقيق أمور في لحظة، وكان متوقعا لها ألا تتم أو تتم بصعوبة وبطء. ثم تأتي اللحظة التايخية الحاسمة فتدور العربة بكامل عدتها وقواها.تعقد من الأمس القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون، وهذه المرة لم يعد هناك مساحة متاحة لأي آراء متخالفة. إنه المؤتمر الذي يجب أن يكون فيه القادة كلهم على قلب واحد.. لا بديل آخر. إن هذه الفرصة التشاورية جاءت يوقتها.. وإن أُهدِرت، فسنندم يوما ما كثيرا، أننا لم ننتهزها.وما معنى التشاور؟ معناه أنه حان الوقت أن نترك تعصبات الرأي والمواقف المنفردة جانبا ثم نجتمع على طاولة صافية نظيفة لتبادل الرأي وشرح المواقف، وتبرير الأحداث. ميكانيكة التشاور تعمل على تقديم تنازلات معقولة، وتأجيل بعض الأمور التي قد تنأى عن الموضوع الظرفي الآني، وحل أي موقف سياسي يربك صفاء الرابط بين دول المجلس، وتحت فهم مهم؛ وهو أن كل دول الخليج بلا استثاء تواجه نفس الأخطار والأعداء والأصدقاء. والعرب يقولون: "اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم". عندما يتفق الجميع أن الخطر الذي يهدد أي دولة خليجية سيكون عدوى سريعة الانتشار ولن تُوَفـَّر أي دولة مهما كان موقفها السياسي أو السيادي. وأنبّه، لا أصدقاء في عالم السياسة، بل مصالح أنانية مفرطة. هذه هي السياسة رغبنا أم لم نرغب، كل دولة تعمل من أجل نفسها وليأت بعد ذلك الطوفان.. لا يهم. فمن نعرفه صديقا قد ينقلب علينا بدون أن نعلم وظهورنا مكشوفة وأسرارنا من ممتلكاته فيكون الأشد سما لما يضع خنجره بالخلف. لا صديق ولا عدو في السياسة.. وأعتقد أن القادة سيتفقون أن من مصلحة كل دولة من دولهم أن تقف مع باقي دول المجلس جدارا متينا صلدا، أي صدع فيه مهما صغر يكفي أن يتسلل منه الأعداء.والقادة يفهمون جديا أن أي فعل أو مشروع لا يمكن أن ينجح بلا دولة تتولى القيادة، ولا بأس أن تتداول دول الخليج هذه القيادة حسب معطيات الظرف والموضوع. ففي مسألة اليمن من الطبيعي أن تكون السعودية هي قاطرة العمل، ليس لأي اعتبار إلا باعتبار الظرف كما قلنا. وفي ظرف آخر قد تقود أي دولة أخرى من دول الخليج، وتقبل المملكة هذه القيادة بمعطيات المنطق والمصلحة.سأسمح لنفسي بالتفاؤل الكبير، ولكن سأضع- ترقبا- يدي على قلبي.