خالد الشريدة

ساقطون في الصرف الصحي

الخطأ المهني له ثمن قاتل، كما هو في الطب أو الهندسة أو الأعمال الخدمية، وكنا تناولنا فيما سبق مشكلات مجاري وأغطية الصرف الصحي، التي راح ضحيتها بعض الأطفال، ولكن يبدو أن المشكلة لا تزال قائمة تحت عناوينها العريضة، الإهمال والقصور في أداء الخدمة، وآخر ذلك حادثة سقوط طفل مصري في حفرة للصرف الصحي بشارع أم القرى بمدينة جدة.الحادثة في أولها وآخرها قضاء وقدر، ونسأل الله أن يتولى الطفل برحمته ويلهم أهله الصبر والسلوان، ولكن حين ننظر في التفاصيل نجد أن هناك عملية إهمال قبيحة حدثت، ففي الواقعة أن الأب أوقف سيارته أمام مكان الصرف وذهب مع ابنه لمحل حلاقة، وخرج الوالد ممسكا بيد طفله، ليجد "وايت" متوقفا بالقرب من بيارة الصرف، وقد أنهى سائقه سحب المياه ويهم بمغادرة المكان، تاركا غطاء البيارة مفتوحا إلى حين وضع آليات السحب في مكانها المخصص لها بالوايت.ذلك انتهى إلى سقوط الطفل في الفتحة دون أدنى إمكانية للوالد في مساعدة ابنه وإنقاذه، ليحصل عليه بعد حوالي ثماني ساعات جثة هامدة انتشلها جندي، لتحال الواقعة لشرطة جدة التي تباشر التحقيق فيها!! ولكن يبقى السؤال.. لماذا تكثر حوادث السقوط في بيارات جدة أكثر من غيرها؟ إذا كانت قديمة وانتهت صلاحيتها الإنشائية فلماذا لم يتم تجديدها، خاصة وأن هناك ميزانيات مخصصة لأعمال الصيانة الدورية لكل المرافق البلدية؟!في الواقع، ليس هناك ما يقال كثيرا حول هذه القضية غير أن في الحلق غصة من تعدد الأخطاء البشرية وعدم اتقان الأعمال، وسوء تقديم الخدمات، فكل خدمة تحتاج إلى كفاءات وروح مهنية عالية، حتى نقلل من الأخطار والمهددات، فهناك سوء توظيف للعناصر الخدمية، بدليل أن كثيرين يعملون وهم غير أكفاء؛ لسد الحاجة الوظيفية، ولا بد مع هذا التفكير الإداري أن نشهد أخطاء وحوادث قاتلة ومميتة.لدينا أحد أكثر نسب تزوير الشهادات في مختلف المجالات، ولا نكتشف ذلك إلا مؤخرا، فهناك عاملات منزليات هاربات يزورن شهادات تمريض ويعملن ممرضات، وغيره أطباء ومهندسون والقائمة تطول، فلماذا نجعل من هيكلنا الإداري والخدمي حقلا للتجارب الفاشلة، ونحصد مثل هذا الحصاد الكارثي؟ العامل الذي أهمل واجباته ولم يتقن عمله تسبب في ذلك الحادث ولو بحثنا في مؤهلاته البسيطة للقيام بما أوكل إليه، لوجدناه لا يعرف شيئا وربما لا يعرف الكتابة أو القراءة.مثل هذه الأعمال التي تبدو متواضعة لها أهميتها الكبيرة في حياتنا، وحين ننظر في واقع الدول المتقدمة نجدها تختار لها كفاءات تدربهم وتؤهلهم للقيام بها، دون أي حسابات ضيقة تتعلق بقيمة المهنة أو الصنعة، فكله عمل ومصدر رزق ويحتاج كغيره من المهن التي نعتبرها رفيعة الى الجودة والاتقان وعدم التهاون في أدائها، لذلك تقل نسبة الحوادث والأخطار فيها، وتمضي الخدمات بسلاسة، فهناك احترام لما يقومون به، دون أدنى مساحة للاستهتار أو التهاون، فليت من نوكل إليهم هذه الأعمال يتحلّون بأبسط قواعد الاحترام والاهتمام بما يقومون به، فتلك حرفية بسيطة وسهلة نحتاجها حتى نوفر الحد الأدنى للسلامة العامة.* باحث اجتماعي