د. عبدالعزيز الأحمد

قلب فارغ..!

سؤالان مهمان وردا لي أثناء مروري على آية القصص في قصة «أم موسى» التي ألقت فلذة كبدها في اليم!تخيلوا قلبها حينئذ.. هل سيتذكر غيره؟!هل سينشغل بغيره؟! لا.. فالقلب أصبح فارغاً..إن قلبها فرغ وخلا من كل الهم إلا هم طفلها، نسيت جميع اهتماماتها.. وأصبح تفكيرها منصبا عليه في الخطرات، والنظرات، واللفظات، ومن شدة ذلك كادت تتكلم بمشاعرها فيظهر أمر الطفل فيقتل، لولا عناية الله لها فربط على قلبها.. فهدأت النفس وملكت ألفاظها فحافظت على أمرها.القلب هو «مضخة المشاعر»، وبحر العواطف، وهو مصدر التحكم، وانطلاق التفاعل، فالفراغ ظهر في الفؤاد، وهو من أسماء القلب، والربط تم في القلب، وهذا الفراغ القلبي يحصل لكل أم وأب وزوج وزوجة وحبيبين يفقد أحدهما الآخر ويغيب عنه، لكن أشد صور «الفراغ القلبي» قلب الأم!وذلك يُظهر حاجتنا الضرورية لثلاثة أمور ليصح القلب ويسعد الإنسان؛ الملء، والإشباع، والربط، والملء من الإنسان نفسه فهو من يختار كيفية الملء ونوعيته، وهنا في ملء القلب يحتاج لأنواع العواطف يختارها الإنسان بنفسه ويميزها، ويستخدم الاسباب التي تملؤه فالأم تملؤه برؤيته لكن كيف السبيل؟ فكرت وهداها الله لإرسال أخته للبحث عنه ومن ثم إرضاعه بأجرة، وتم ذلك، وهذا الأمر (أي الملء) مطالب به الإنسان صاحب القلب نفسه.الأمر الثاني الإشباع، ففراغ القلب من جميع المشاعر إلا شعورا واحدا يظهر أثر الفقد، وعظم المصاب، فكيف يتم حل ذلك؟ هذا لا يحل إلا بالإشباع، والمطالب به المحيطون بصاحب القلب المفجوع أو الموجوع، فيساعدون كأفراد الأسرة أو ذوي العلاقة كزوج وزوجة وأب وأم وأخ وأخت وابن وبنت، وهذا ما قامت به الأخت المباركة التي بادرت بالبحث والقص فشاركت والدتها بمشاعرها، وقالت لأخته قصيه، فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم! وكم في حركة المحبين والأقربين للمحزون من مداواة ومواساة حتى تقر عينه.الأمر الأخير الأعظم والأخطر ربط القلب.. تخيلوا قلبا منفلتاً أو ضعيفاً..هل يواجه تقلبات الأيام فلا ينقطع، وعقبات الحياة فلا يضعف، تأملوا إن كادت لتبدي به: (لولا أن ربطنا) يلاحظ أن العون الإلهي نزل بالقلب فسكن، ولذا قدرت على قيادة اللسان، وتنزل العون بأمرين، اليقين بالوعد، وتقديم القدرة والجهد فالوعد (إنا رادوه إليك) وجهدها ألقته في اليم، وأرسلت بعد ذلك بنتها فتتابعت الأحداث، وتحقق (فرددناه إلى أمه) فسكن القلب (ولا تحزن) والربط من الله تعالى، وهذا تم لأم موسى وتم للمؤمنين في غزوة بدر (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم).فهنا ربطت القلوب بالماء، وفي حادثة أم موسى بإلقائه باليم والبحث، ومزج سبب المطر والإلقاء والبحث باليقين بالوعد، فثبت القلب ولو حزن قليلا أو خاف؛ هذي الحادثة وغيرها في القرآن دعوة لنا جميعا ببذل الجهد لنملأ قلوبنا.. فلا تكون فارغة للحزن، ودعوة للمحيطين بالمبادرة والإحساس والمشاركة.وثالثاً باليقين بوعد الله مع بذل الأسباب.. فمن فعل ذلك قل فراغ قلبه وتنزل عليه ربط ربه، وحصل له قرة العين «فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون».