د.عصام الخرساني

الوطن كبير بحكامه وأبنائه

وطني.. يا جبل الغيم الأزرق وطني.. يا قمر الندي والزنبق يا وجوه الـ بيحبّونا يا تراب اللي سبقونا.. يا صغيّر ووسع الدني وسع الدني يا وطني وطني.. يا دهب الزمان الضايع وطني.. من برق القصايد طالع.. أنا على بابك قصيدة.. كتبتها الريح العنيدة.. أنا حجرة أنا سوسنة.. أنا سوسنة يا وطني جيراني بالقنطرة تذكّروني وبلابل القمرة يندهوني شجر أراضيك سواعد أهلي شجّروا.. وحجار حفافيك وجوه جدودي الـ عمّروا وعاشوا فيك من ميّة سنة.. من ألف سنة.. من أول الدني وطني.. وحياتك وحياة المحبة.. شو بني.. عم إكبر وتكبر بقلبي وأيام اللي جايي جايي.. .... فيها الشمس مخبّاية.. إنت القوي وإنت الغني وإنت الدني.. يا وطنيما أجمل هذه القصيدة التي غنتها فيروز عن الوطن، كيف لا وكل ما في الوطن جميل، والكل يتغنى به، والكل يتذكره، ويحلو الحديث عنه، لا سيما من تغرب عن الديار فترى الصحف خارج الوطن تتسمى بالوطن أو بأسماء مدن وقرى الوطن والكل يتمنى العودة للديار، أو كما نسميها "الديره" أو كما يسميها أهل الشام العودة إلى "الضيعة". هذا الوطن الجميل الذي يتمنى الإنسان إذا قُدر عليه الموت أن يموت في وطنه، خصوصاً بعد توفر سبل النقل السريعة مثل الطائرات والسيارات، فأصبح الناس يوصون بأن يدفنوا بعد مماتهم في أوطانهم، فإن هم تغربوا في هذه الحياة الدنيا فإنهم لا يريدون الغربة بعد الممات. هذا الوطن الذي لا يملُ الإنسان من الحديث عنه، أصبح مختطفاً من قِبَلِ البعض ولا يقيم له قدر، ولا يحسب له حسابا بالرغم من أنه لو تأمل قول المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، الذي جاء في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، عندما قال: (لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة قال: "أمَا والله لأخرج منك، وأني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منكِ مَا خرجت")، وقال عمر -رضي الله عنه- :عَمَّر اللهُ البلدانَ بحب الأوطان، وقال ابن الزبير: ليس الناس بشيء من أقسامهم (أي أرزاقهم) أقنع منهم بأوطانهم، وقيل: من علامة الرشد أن تكون النفس لبلدها تواقة وإلى مسقط رأسها مشتاقة. ولقد رُوي أنه لما قدم أصَيْلٌ الغفارىُّ قبل أن يُضرب الحجابُ على أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فدخل على عائشة -رضي الله عنها-، فقالت له: يا أصَيْل، كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها. قالت: أقمْ حتى يأتيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فلم يلبث أن دخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (يا أُصَيْل، كيَف عهدت مكة؟) قال: عهدتُها والله قد أخصب جنابها، وابيضتْ بطحاؤها، وأعذق إذخرها، وأسلب ثُمامُها، وأمْشَر سَلْمُها. فقال: حسبك يا أصَيْل لا تُحْزِنَّا وفي رواية أنه قال له: (يا أصَيْل، دع القلوبَ تقر). وقال الشاعر:وكُنا ألِفْنـاها ولم تَكُ مَـأْلَفاً وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسنكما تُؤْلَفُ الأرضُ التي لم يَطِبْ بها هـواءٌ ولا ماءٌ ولكنـها وطـنوهذا ينطبق والله على الكثير من القرى والهجر في بلادنا، فهواؤها حار ولا يوجد بها ماء، لكنها تبقى وطن تهفو إليه القلوب، وتحن له النفوس، ولقد قيل في الوطن "حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك" لكن وللأسف الشديد أن هناك فئة قليلة من أبناء هذا الوطن لا يُدركون هذا الكلام، ويسيئون إلى أوطانهم أكبر إساءة بتبنيهم أفكارا ضالة وقيامهم بأعمال تفجير يبغون من ورائها اشعال الفتن وخراب الأوطان، مع العلم أن بلادنا ليست كسائر الأوطان فهي مهبط الوحي وفيها قبلة المسلمين وفيها الحرمان الشريفان، وهذا ما يجعل لها فضلا يفوق سائر الأوطان، ويجعل حرمتها ليست كحرمة سائر البلدان، فكيف رضي بعض أبنائها أن يكون معول هدم لمن يريد أن يُخرب الديار والأوطان. قد سمعنا من بعض من عادوا للوطن ممن اغتروا بتلك التنظيمات المشبوهة كيف أن قادة تلك التنظيمات يستخفون بأبناء هذه البلاد، ويعاملونهم معاملة سيئة، لا تليق لا لشيء إلا لأنهم من أهل هذه البلاد، بل اصبحوا يدفعون بهم إلى الهلاك في عمليات انتحارية، لا يرضون أن يقوم بها أبناء جلدتهم، فعلام هذا يدل؟؟ ألم يئن الأوان لابنائنا الذين خدعوا أن يعودوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم ويعودوا الى أهلهم وأوطانهم، وأن يعلنوا توبتهم إلى الله أمام الملأ، ويخيبوا أمل الأعداء فيهم، ويفضحوا مخططاتهم. إن هذا الوطن كبير بأبنائه وكبير بحكامه، ومهما أراد أعداء هذا الوطن الحاسدون من اشعال الفتنة، فإن الوطن كله من شرقه الى غربه ومن شماله الى جنوبه، كلهم مُتيقظون وكلهم صف واحد متحدون خلف قيادتهم الحكيمة، ولن يتفرقوا أبداً مهما فعل الأعداء. يا وطني لك كل الحب.* استشاري كلى ومتخصص في الإدارة الصحية