د. أمل الطعيمي

الغرق في الاتكالية

** كلما فتح أمامي موضوع الخادمات وحالة التذمر القصوى التي تعم البلاد من مكاتب الاستقدام ازداد غيظاً من هذا الغرق في الاتكالية عليهم وكأن الحياة لا تستقيم إلا بوجود خادمة أو أكثر في البيت وأشعر بالحزن على حال كثير من الناس باستطاعتهم التخلي عنها بسهولة ولكن المشكلة تكمن في أنهم لا يريدون أن يتخلوا عنها !! وأحزن على حال فتيات في العشرينات وفي أتم الصحة والعافية والنشاط ومع ذلك لا هم لهن سوى التأمر والتنمر على الخادمات حتى في أبسط الأمور ؛ ككأس ماء تحضره لنفسها أو فنجان قهوة تعده فكيف بغسيل ملابسها وكيها. وأحزن على حال شباب مفتولي العضلات لو سألته أين تقع سلة القمامة في بيتكم لما عرف موقعها مع انه يفترض أن يكون المسئول عنها ليخرجها إلى الشارع في الوقت الذي يطلب فيه منه ذلك ولكنه لا يفعل ونرى كثيرا من الخادمات في الخارج يحملن الأكياس الثقيلة بأنفسهن، بعضهم يصبح البيت بمثابة فندق يأكل ويشرب ويغير ملابسه ويخرج دون أن يلتفت لأي شأن آخر . تفاصيل كثيرة مخجلة ومحزنة تنم عن تنصل تام من المسئوليات حتى تجاه أنفسهم فكيف بمنازلهم بما فيها ؟! حقيقة .. الأمر يتفاقم جداً وقبل أن نشغل تفكيرنا بحلول مقترحة لمشاكل الاستقدام يجب أن نفكر في حلول اجتماعية لتغيير هذا الحال السيئ .** في القطار تسبب أحد الأطفال المزعجين في إسقاط طفلة ما فارتطمت بالأرض بقوة وتعالى صراخها وقامت لها إحدى السيدات بسرعة لتتأكد من سلامتها وانتظرنا أم هذه الطفلة أن تظهر أو تبدي اهتماماً ولكنها لم تظهر، بل قامت الخادمة بعد وقت ليس بالقصير كانت الطفلة فيه مستمرة في البكاء فجاءت من أقصى العربة لتحمل الطفلة وتذهب بها إلى أمها ! ترى ماذا كانت تفعل الأم حينذاك ؟ أغلب الظن أنها كانت ترسل بالواتس أب رسالة معلبة عن تربية الأبناء أو عن مشاكل الاستقدام !!** وفي أحد المجمعات التجارية دخل الأب يمشي ببطء وخلفه على بعد خطوات واسعة ثلاثة أطفال والرابع في العربة التي تدفعها الخادمة وبعدهم بخطوات جاءت الزوجة تتهادى، واستمر هذا الفريق الأسري يمشي متفرقاً تجاه ساحة المطاعم دون أن يكون هناك أي تقارب أو اهتمام طرف بآخر . هذا المشهد يختصر كثيراً من سوء الأحوال العائلية التي شاركت الخادمة مع الأسرة نفسها في وجوده بشكل أو بآخر . وعندما أتابع ما يحدث في بيوت بعض من لا يعتمدون على خادمة ويرفضون وجودها أجد تعاوناً وحرصاً من الجميع، فالكل يعلم أن هذه الكأس أو هذا الصحن أو هذه القمامة يجب أن ترفع من مكانها حتى لا نزيد تعب الأم أو الأخت أو الأب أو الأخ، فضلاً عما ينميه هذا الأمر من تقارب بين أفراد الأسرة وتنشيط لكثير من القيم والمعاني التي غابت عن العلاقات الاسرية. الأمر لا يتعلق بالنظافة فحسب، بل بتفاصيل كثيرة لها أثرها المباشر على حياة الناس وترابطهم.** أمسكت الأم هاتفها وتراخت على كرسيها ووضعت سماعات الهاتف في أذنها وتمنيت أن أعرف ما الذي كانت تسمعه وطفلها يجلس في حضن الخادمة تلاعبه وتضاحكه والطفل يمسك بوجهها ويسألها: هل تحبينني؟ ويكرر السؤال المؤلم مرة ثانية: هل تحبينني ؟ سؤال موجع من طفل صغير لم يتجاوز السنوات الثلاث الأولى، سؤال حارق وجد طريقه بين شفتيه مما يراه من هذه التي تسمى أمه، والأخرى التي يرى مدى اهتمامها به وملاطفتها إياه ولعبها معه فيتوجه بسؤاله إلى من تستحق أن يمنحها حبه وفق مفهومه الطفولي للحب ولا بد أنه يشعر بحبه لها، ولهذا يريد أن يتأكد إذا كانت هي أيضاً تحبه !! هل تدري هذه الأم ما الذي فاتها حين كانت متكاسلة حتى عن عطاء لا يكلفها أي عناء لو أنها احتضنت هي صغيرها وقال لها: أحبك أمي بدلاً من ذلك السؤال المرتبك الذي وجهه للخادمة ؟.