الصين تخرج من مدار آسيا
في أواخر الثمانينيات، أنشأ العالم المالي فئة أصول مستقلة عنوانها "اليابان باستثناء آسيا"، وهي فئة جديدة من الاستثمار للتعامل مع ما كان يعرف آنذاك بثاني أكبر اقتصاد في العالم. كانت الفكرة هي أن سوق طوكيو كبيرة جدا، وتباينت تقديراتها على نطاق واسع عن أقرانها من الأسواق الأخرى، وأن اليابان وبقية أجزاء المنطقة كان لديهما أسباب تبرر أن تكون لكل منهما فئة الأصول الخاصة بهما.اليوم، تسير الصين على خطى اليابان، بنموها بشكل سريع جدا كسوق مالية، بحيث لم يعد يمكن من الناحية المنطقية للمستثمرين تصنيفها في نفس الفئة مع جيرانها. تحولت فكرة "اليابان باستثناء آسيا" إلى مفارقة تاريخية. لكن يحتمل أن يتبين أن الوضع المالي المكتشف حديثا للصين على أنه نعمة ونقمة.تقوم الصين بسرعة بإعادة كتابة النظام الانتقائي لآسيا، أكثر مما قامت به اليابان في أي وقت مضى. إن حجم اقتصادها تقريبا يعادل ضعف حجم اقتصاد اليابان، كما هو الحال للرسملة السوقية للشركات الصينية. كما أن نسبة الأرباح إلى أسعار الأسهم في الصين تسير في مدار بمفردها. يتم تداول أسهم شينزين بأسعار أعلى73 مرة من الأرباح المتوقعة، مقارنة مع 17 مرة في سيؤول و14 مرة في تايوان. في شنغهاي، في الوقت نفسه، يتم تداول 94 بالمائة من الأسهم بتقديرات أعلى من مؤشر السوق.يقول الخبير الاقتصادي فريدريك نيومان من بنك إتش إس بي سي في هونغ كونغ: "تعتبر الصين الفيل الكبير في الغرفة، حيث إنها تسيطر على مقاييس اليابان باستثناء آسيا لدرجة أنها أصبحت بلا معنى. هذا لا يعني القول إن الصين لا تقوم بضبط السرعة في المنطقة عموما. لكن بالنظر إلى آسيا، نرى أنه من الأفضل إخراج كل من الصين واليابان من المتوسطات الإقليمية لأغراض تحليلية".بالنسبة للصين، هنالك أخبار جيدة وأخبار سيئة في تحقيق مكانة كفئة أصول مستقلة. الخبر السار هو أنها تؤكد النفوذ المالي الذي تتمناه بكين. أما الخبر السيئ فهو أنها قد تشجع صناع السياسة على عدم الانتباه للأسس الاقتصادية للدولة.في حالة اليابان، عمل ذلك على تدهور الاقتصاد في البلد. يعزز ارتفاع الأرقام القياسية "اليابان باستثناء آسيا" الطفرة التي أصابت أسواق الأسهم اليابانية، ما دفع مؤشر نيكاي للارتفاع لأعلى مستوى عند 38916 نقطة في عام 1989. لقد كانت أداة تسويقية رائعة، لكنها سمحت للدولة بتجاهل الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. حتى اليوم، تكافح طوكيو للتقيد بالمقاييس أو المعايير الدولية لإدارة الشركات.قامت السلطات الصينية بالضغط من أجل إدراج أسواقها المالية في المؤشرات العالمية بغية وضع الأساس لجعل اليوان عملة دولية. لكن بكين قامت بتحضير العربة قبل الحصان. إذا كانت الصين تريد الفوز على الأسواق المالية الدولية، وإقناع مديري الصناديق العالمية بجعل أسهمها حجر زاوية في محافظهم الاستثمارية، ينبغي عليها القيام بذلك بشكل عضوي، عن طريق اتباع برنامج إصلاحات اقتصادية جريئة بشكل مطرد. بدلا من ذلك، كانت بكين تفعل العكس، وتغذي اندفاع ائتمان لأسهم شينزين التي أنتجت طفرة مستحيلة بنسبة 173 بالمائة خلال 12 شهرا حتى مع تباطؤ النمو الاقتصادي الأوسع نطاقا.كان قرار مؤشر مورجان ستانلي المركب في الأسبوع الماضي تأجيل إضافة الأسهم الصينية إلى مؤشراتها قرارا حكيما تماما نظرا للصحة المالية الهشة في الصين. على الرغم من أن ناتجها المحلي الإجمالي قد تجاوز الناتج المحلي الإجمالي لليابان، لا تزال الصين بحاجة إلى تحسين عجزها في الشفافية المالية والوصول إلى السوق. ينبغي عليها أيضا أن تعيد التفكير في آليات نظام الحصص النسبية للمستثمرين، وآخر شيء تحتاجه أسواق الأسهم لديها هو حافز مصطنع لإضافة المزيد من الأسهم.ما من شك أن الصين، مثل اليابان منذ عقود مضت، تنمو وتتعدى نظيراتها الآسيوية. لقد تسبب مقياس النمو الواسع للصين بحدوث إشكالية بالنسبة للمراقبين الاقتصاديين وذلك لاعتماد المتوسطات المرجحة في آسيا. لكن المستثمر الحكيم سوف يدرك أنه لا يزال هنالك تقارب كبير لا يستهان به في المنطقة. كما يشير تيم كريج من بلومبيرج إنتيليجينس، فإن زيادة التكامل بين الصين وآسيا تجعل من استراتيجية الاستثمار الآسيوية أطروحة استثمار ذات سلسلة توريد مكتملة مثيرة للاهتمام أساسا. يضيف الخبير الاقتصادي فريدريك نيومان: "لا يزال هنالك ارتباط ملحوظ بين نمو الصين ونمو الأسواق الآسيوية الناشئة الأخرى".ليس معنى ذلك أنه لا ينبغي على المستثمرين فصل الصين حينما تدعو الحاجة لذلك من خلال تحليلاتهم الاقتصادية. لكن قد يكون من الحكمة القيام بذلك بحذر. ورغم أن الصين تطير عاليا الآن، إلا أنها ربما تكون فقط مسألة وقت قبل أن تهبط مرة أخرى لتكون على مستوى جاراتها في آسيا.