محمد السماعيل

جشع التخفيضات الوهمية

شهر رمضان شهر الخير والبركات الذي ننعم فيه جميعا بتلك الفيوض الروحانية التي تصفو معها أنفسنا ونستكثر من أعمال الخير طلبا للغفران والرحمة وبذل المعروف والإحسان وتهذيب الأنفس الشح من سوءات شهور السنة الماضية، فنزهد عما في أنفسنا تقربا لله سبحانه وتعالى ونسمو على الطمع في الدنيا والإكثار من نعيمها حرصا على نعيم الآخرة، ولكن يبدو أن هناك من يسعى لكسب نعيم الدنيا واستثمار رمضان المبارك بصورة خاطئة في كسب ما في أيدي الناس بالتضليل والغش.قبل شهر رمضان وخلاله اعتاد الناس أن يزيدوا جرعات التسوق لديهم، وبصرف النظر عن الخطأ في ذلك، فهم أدرى بشؤونهم واحتياجاتهم بحسب قدراتهم المالية، فليس هناك من لا يملك ما يدخل به السوق ويفعلها لمجرد الفرجة، وبحسب ما لديه من نقد سيشتري، ولكن أصحاب المحلات يستغلون تلك الحمى التي تصيب الناس في الشراء ويعلنون عن تخفيضات وهمية وتخفيض الأسعار بنسب تصل لتسعين في المائة احيانا، وبحسابات بسيطة نجد أن ذلك غش صريح للمستهلك الذي تخدعه تلك التخفيضات لأن من يخفض أسعاره الى تلك النسب إما أنه يبيع بضاعة فاسدة أو اقترب تاريخ نهاية صلاحيتها، ودون ذلك فهو خاسر لا محالة، وليس في الدينا تاجر يعمل ليخسر.قبل أن نطالب الناس بالترشيد وعدم الإسراف، لأننا في الحقيقة لا نعلم إن كانوا يشترون ما يفوق حاجتهم أم لا، ينبغي أن نطالب ونضبط السوق والتجار، لأننا أمام سؤال كبير دوما وهو: أين حماية المستهلك من ضبط الأسعار في الأسواق ومراقبة التخفيضات الوهمية؟ فهي الجهة المعنية بالترفق بالمستهلك وغيابها يضر ويجعل السوق عبارة عن وحش يلتهم أموال هؤلاء البسطاء، ودون دور حقيقي لها فإن التجار سيتلاعبون بالأسعار كيفما شاؤوا، ويغريهم للانفراد بالمستهلك الذي لا يعي حقيقة العروض الوهمية التي تستهدفه تقصير حماية المستهلك كجمعية أو فرع بوزارة التجارة يؤثر سلبا على مجريات السوق ويهدد الاقتصاد الوطني لأن ذلك مناخ وبيئة نموذجية للتضخم وفساد السوق، حيث يسيطر التجار على السلع وحركة السوق دون مسوغات اقتصادية مقنعة ومنطقية ما يعظم من دورها في كبح جماح هؤلاء، لأنهم لا يخفضون وإنما يتلاعبون بالأسعار والمستهلكين فتصبح جميع المؤشرات الاقتصادية غير دقيقة ولا تعبر عن حقيقة وضع السوق، بينما يتعرض المستهلك لنهب صريح تحت بصر الجهات المسؤولة والتي إن لم تتعامل مع هذا الوضع بما ينبغي له أن يكون فعليها أن تعلن عجزها عن ضبط التجار لتصبح الأمور أكثر وضوحا، وبناء عليه ستتعامل الدولة عبر وزارة التجارة والجهات الأخرى مع الوضع لما يفرزه من معطيات تؤثر سلبا في حركته وتهدد القدرات الشرائية للمستهلكين الذين أصبحوا بلا حماية أو غطاء رسمي يستظلون تحته من جشع التجار ونهمهم لمساومته وابتزازه، ودون ذلك فإننا معرضون لكارثة اقتصادية يتآكل معها حق المستهلك في التعامل مع السوق بتوازن؛ لأنه لا يوجد من يحميه من تضليل التخفيضات الوهمية.* مدير مراكز «اسكب» للاستشارات الأمنية والعلاقات العامة