الروهينقا
أحاول جاهداً في شهر رمضان المبارك أن أتوقف عن قراءة الصحف والمجلات الانجليزية، لكني لم أقاوم قراءة مجلة الإكينوميست في عددها بتاريخ 13 يونيو لعام 2015، فلقد حوت مواضيع مشوقة واستوقفني عنوان مثير: "الروهينقا أكثر الشعوب اضطهاداً على سطح الأرض"، وقد بدأ المقال بقصة فتى يدعى اركام، كان في الثانية عشرة من عمره عندما شاهد مجموعة من الرجال يثلغون رأس ابيه بحجر كبير، وينحرونه بالسكين. لقد كانت العائلة تمشي عائدة من المسجد إلى البيت عندما تم مهاجمتها من قبل عصابات جيرانهم البوذيين، وكانت الجريمة هي عقابا لهم لتمسكهم بدينهم الإسلامي. الآن يبلغ أركام الثامنة عشرة من عمره ويسكن في حاوية بحرية في ساحة بناء في أطراف مدينة كوالالمبور، ويسكن معه في الحاوية سبعة من ابناء الروهينقا اللاجئين من مينمار، وهم ضمن مئات اللاجئين الذين يعيشون في حاويات ويكسبون قوتهم من اعمال البناء. لقد تعرض أركام للمخاطر في سبيل وصوله إلى كوالالمبور، عندما كان في السابعة عشرة من عمره ركب قاربا للمهربين في خليج البينقال ولم تكن لديه أي فكرة عما سيحدث له. لقد سافر إلى تايلاند في رحلة بحرية مدتها اثنا عشر يوماً من غير ماء أو طعام كاف وكان يتعرض للضرب من قبل طاقم القارب أحيانا. لقد غادر مينمار أكثر من ألف ومائة شخص في تلك الليلة، وتكدسوا في قاربين وتوفي أربع منهم في تلك الرحلة. لقد رأى أحد الرجال وهو يرمي بنفسه في عرض البحر لعدم تحمله الوضع البائس في القارب، وعندما وصلوا إلى الشاطىء تم احتجازه في معسكر في الغابة إلى ان يقوم اقرباؤه بدفع فدية قدرها ألف وستمائه دولار امريكي، وعندما وصل اركام إلى ماليزيا كان قد امضى شهراً واحداً من السفر المضني. كثيراً ما يعرف شعب الروهينقا بأنهم أكثر أقليات اضطهاداً في العالم، فهم لا يستطيعون الحصول على جنسية بلدهم مينمار، وهم يغادرون بلادهم بالآلاف بسبب الاضطهاد إلى ماليزيا، اندونيسيا وتايلاند. في الربع الأول من هذه السنة قام خمسة وعشرين ألف شخص من الروهينقا بمغادرة مينمار على قوارب بحرية، إن منظر المئات من الرجال الهزيلين مع النساء والأطفال وهم متراصون في قوارب المهربين القديمة قد لفت أنظار العالم وجلب انتباههم. ماليزيا برفاهية شعبها وحضارتها الإسلاميه جذبت اكثر من مائة ألف من شعب الروهينقا، ومنذ عام 2012 تجاوز عدد شعب الروهينقا الذين ابعدوا من بلادهم مائة وأربعين ألف نسمة تم اجلاؤهم من قراهم بواسطه البوذيين المحليين. جمعيات حقوق الإنسان تحذر من الوضع البائس الحالي في منطقة رخين في مينمار، وهي تحاول عبثاً منع جرائم الإبادة العرقية التي يتعرض لها شعب الروهينقا المسلم، مما أدى الى هجرة مئات الآلاف من شعب الروهينقا إلى جنوب بنجلادش خوفا من الإبادة الجماعية. لقد قام المهاجرون من الروهينقا من ماليزيا بتأسيس مجتمع يعيش في الخفاء، حيث يقول ماثيو سميث وهو من أحد الجمعيات الحقوقية إن الدول المضيفة ترفض ان تعطي الروهينقا أي وضع نظامي ولا تسمح لهم بالعمل الذي جعل ارباب الأعمال يقومون باستغلالهم وإسكانهم في اماكن مكتظة ولا يقومون بتوفير العناية الصحية لهم أو توفير التعليم لأبنائهم حيث تقوم بعض الجمعيات الخيرية بتمويل بعض المدارس لتعليمهم. باحثون من منظمة «ISCI» وصلوا إلى قناعة تامة بأن الهجوم على شعب الروهينقا لم يكن عفوياً بل كان منظماً حيث تم تزويد العصابات المهاجمة بسكاكين وتم اعطاؤهم الطعام المجاني خلال قيامهم بعمليات الإبادة والإجلاء وان هذا الجو المعادي للمسلمين في مينمار كان يُغذى بواسطة الرهبان البوذيين و السياسيين المتعصبين بحجة الدفاع على دينهم وعرقهم أمام ما يسمى بالمد الاسلامي. المقال طويل ومليء بالقصص وحكايا المجازر التي يندى له الجبين التي ارتكبت بحق هذا الشعب المسلم، ولقد وقفت جميع دول العالم عاجزة عن مساعدة هذا الشعب الذي يتعرض لهذه الابادة المنظمة، ولم تتحرك منظمات حقوق الإنسان بالشكل الكافي لمنع هذه المجازر. صحيح أنهم شعب لا بواكي لهم، وصحيح أننا نتألم لمعاناتهم، وندعو الله القادر على كل شيء أن يلطف بحالهم ونعترف اننا كمسلمين قد بلغنا من الضعف بحيث اصبحنا لا نستطيع ان ندافع عنهم، ولكن أليس بمقدور الدول الإسلامية ان ترفع صوتها عاليا في المحافل الدولية، وتطلب ان تكف دولة مينمار عن اضطهاد رعاياها المسلمين. ماذا كان ليحدث لو كان من تعرض للإبادة هم من النصارى؟؟ أقول: لوجدت العالم الغربي ينتفض ويقف وقفة رجل واحد بل قد يرسل البعثات الحربية للدفاع عنهم. إننا نطالب المجتمع الدولي ان يكف عن التعامل مع قضايا المسلمين بمكيالين وأن يقف وقفة حازمة ضد حكومة مينمار، ولو تطلب الامر القيام بعمل عسكري تشارك فيه قوات متحالفة من الدول المحبة للعدل والسلام وتنبذ التفرقة العنصرية والتطرف والعدوان، فهل من مستمع؟* استشاري كلى ومتخصص في الإدارة الصحية