جمعية المتضررين من الحوادث
شهر رمضان الكريم فرصة نموذجية لتأسيس منظومة من السلوكيات الاجتماعية والفردية المتطورة التي تكتسب مع الوعي مزيدا من الإضاءات التي تجعلها مشروع اقتداء قابلا للاستمرار والتمدد والبقاء، ومن أروع ما اطلعت عليه خلال هذا الشهر جهود الإدارة العامة لمرور الرياض، التي أطلقت منذ مطلع رمضان الحالي حملة، للإفراج عن الموقوفين بسبب حوادث مرورية، وذلك بالسداد عن العاجزين، للتفريج عنهم وإسعادهم بالإفطار مع أسرهم في رمضان.وفي الواقع ذلك نشاط إنساني وخيري نبيل درجت إدارة المرور عليه منذ أعوام مضت تعمل من خلاله على مساعدة الموقوفين على ذمة حوادث مرورية، بشرط أن يكون الحادث قضاء وقدرا وليس نتيجة تهور أو سرعة أو تجاوز الإشارة الحمراء، والموقوفون الذين يتمتعون بمظلة هذا العمل الإنساني من جنسيات مختلفة منهم سعوديون ومقيمون، والمبالغ التي عليهم تتراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف ريال وبعضها يزيد على ذلك، إلا أنه يتعذر عليهم السداد لظروفهم الصعبة.من الجميل أن تبادر الإدارات المختلفة الى ابتكار وسائل متجددة ومتطورة، سواء فيما يتعلق بالإصلاح وتعزيز النظام والتنظيم، وإدارة المرور بهذا الفعل ضربت عدة عصافير بحجر واحد، حيث أرست تجربة محفزة لاحترام النظام، فهي ليست إدارة للجباية، وإنما تستهدف ترسيخ قيم سلوكية متحضرة وآمنة وسليمة في سلوكيات الأفراد، وذلك يجنبهم الخسائر المادية والنفسية وقبل ذلك خسائر في الأرواح قد يتم التسبب في فقدانها لعدم احترام القواعد المرورية.أتمنى تطوير هذه الفكرة وإنشاء جمعية لدعم المتضررين من الحوادث، وأيضاً يكون من ضمن أنشطة الجمعية عمل دراسات بحثية متخصصة عن ظاهرة الحوادث التي أصبحت تقلق كل بيت وراح ضحيتها مئات الآلاف من البشر، وتشارك برسم نظام مروري متحضر يستوعب تطورات العصر ويرتكز الى قيم سامية ونبيلة في مقدمتها الاحترام، احترام الأنظمة في مطلق الأحوال، واحترام رجل المرور وتوجيهاته والالتزام بها، فالقيادة في الحقيقة ذوق وفن ومهارات سلوكية تحترم الآخرين وتعمل بأقصى ضوابط القيادة الآمنة التي لا تأتي إلا من خلال ارتفاع الوعي المروري.نحن في الواقع نحتاج إلى جمعية حقيقية يشارك بها الجميع هناك جمعيات عديدة لم تقدم أي شيء وهي تعمل منذ عشرات السنين، بإمكان إدارة المرور تطوير مزيد من المقترحات والمشروعات المتميزة من أجل تطوير المنظومة المرورية، فالقضية ليست تعليمات وإرشادات يتم تعليقها في المعارض أو عند الطرق والمحطات والمكاتب، وإنما أفعال تحفر عميقا في الوعي بحيث لا ينساها الفرد، ويلتزم بها طوال حياته ويعلمها لأبنائه ومن حول من المحيطين به، فذلك نوع من الثقافة الشفاهية التي يعمل مثل هؤلاء المستفيدين من مثل هذه التجارب في ترسيخها في الوسط الاجتماعي ويتناقلها الناس كأمر ينبغي تقديره والعمل به.هناك خلل في الفكرة المرورية لدى قطاع واسع من المواطنين والمقيمين حول آداب المرور، هو بالضبط ما يترفع بنسبة الحوادث بما يفوق المتوسط العالمي، وأغلب هذه الحوادث نتيجة لعدم احترام القواعد المرورية، أو الجهل بها، وبذلك يتعاظم دور وجهد إدارات المرور لتتوسع في برامجها ومشروعاتها التي تجعلها أكثر قربا من السائقين حتى يمتلكوا الوعي الحقيقي بسبل القيادة الآمنة التي نطمح اليها، بحيث تتراجع معدلات الحوادث ونصل الى مستوى متطور من الأمان في طرقنا وشوارعنا نظل نفتقده في ظل كثير من الطيش والتهور وعدم احترام الأنظمة المرورية.* باحث اجتماعي