خالد الشريدة

التعامل الإنساني الذاتي

الطب مهنة إنسانية أولا وأخيرا، وهذه الجملة بمثابة مبدأ مهني ووظيفي وعملي لا يمكن الخروج عن نصها في مطلق الأحوال والظروف، فنداء الواجب فيها يرتفع دوما الى أقصى حد ممكن، وذلك ما أجده في حالة طبيب قرأت عنه مؤخرا أنه بادر الى متابعة جراحة طارئة في وقت جاءه فيه خبر وفاة ابنه، وأجرى الجراحة وحينما بادر الى المغادرة أوقفه أحد أهل المريض ليسأله فأخبره أنه في عجلة من أمره لتشييع ابنه الذي توفي قبل الجراحة.تلك حالة فريدة أجدها واصفة بدقة للمهنة الطبية، وذلك الطبيب هو النموذج الذي يقدم أداء أهم وأكبر، وهو التعامل الإنساني الذاتي الذي يستشعر واجبات المهنة في أسوأ حالات الطبيب النفسية والعاطفية، وهنا انتقل الى الصورة المتناقضة تماما التي يفشل فيها الطبيب في أبسط اختبارات الإنسانية بتعامله الغليظ مع مريض لا يجد رادعا ذاتيا في طرده قبل أن يجيبه عن حالته.ما زلت أتذكر هذه الحادثة مع العلم أنه مر عليها فترة من الزمن ولكن لا أزال أتذكر جيدا، دخل أحد المراجعين وقام هذا الموظف في الرد عليه بصوت مرتفع وحينما ناقشه في الأمر قال له اخرج برا أو أطلب لك الأمن. في الواقع اندهشت من هذا الأمر ولكن مرت الأمور بسلام، غادر الرجل وهو يعتذر وكان هو من أخطأ، الحديث مع الأشخاص يجب أن يكون بأدب واحترام خصوصا إذا كان هذا الشخص موظفا يمثل جهة حكومية أما إهانة الناس وترويعهم فهذا أمر غير مقبول ويجب معاقبة من يقوم بهذا العمل سواء كان مسؤولا أو موظفا، حتى لو تعرض هذا الموظف لضغوط نفسية أو عملية أو لم يكن هو في حالة ذهنية ونفسية مناسبة، لا يجوز مطلقا التعامل مع الناس بهذه الغلظة. التعامل مع أي شخص يجب أن يكون على أساس الاحترام، أعرف تماما أن كل شخص يمثل نفسه ولكن يجب أن يكون هناك قانون رادع لمثل هذه التجاوزات، وتفعيل دور الرقابة والمتابعة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.وقد أوردت إحدى الصحف أن طبيبا قام بطرد مريض بصورة غير إنسانية شكلا وموضوعا، وقامت هذا الجهة بالاعتذار عن هذا التصرف المشين من هذا الطبيب، إن السلوك والتعامل الراقي من أي طبيب، أمر واجب يفترض أنه قد اكتسبه من خلال دراسته وتجربته في الامتياز، وفي الدول الغربية يمكن لأكثر طلاب الطب نبوغا أن يرسب ولا يعبر لمباشرة الحالات المرضية ما لم يتم التأكد من عمقه الإنساني وسلامته النفسية، لأن تعامل الطبيب الراقي عنصر مهم في العلاج، فالمريض بحاجة ماسة الى تهيئة نفسية يجد فيها قبولا للطبيب قبل تقبله الأدوية والعلاج.ينبغي على الطبيب أو غيره أن يحترم المسافة الإنسانية بينه وبين أي شخص، وأن يعالج مشكلاته الخاصة ويداويها قبل أن يتجه إلى عمله ويبدأ العمل ويقابل الناس لأنه إذا حدث غير ذلك فالأمر غير لائق ولا يتناسب، وكل شخص لا يجد مرونة إنسانية في تعاطيه مع الآخرين ينبغي أن يبدأ التفكير في مهنة أخرى، لأنه يجب أن يكون أكثر احتراما مع الآخرين، وتكفينا الأخطاء التي يرتكبها بعض الأشخاص باسم النظام فلسنا بحاجة الى سلوكية أخرى تسيء لنا وإلى أعمالنا.* باحث اجتماعي