ورحل الفيصل صانع السلام
رغم أن وزارة الخارجية تبدو بعيدة نسبيا عن اهتمامات المواطن البسيط لأنها تتعلق بإدارة الشؤون الخارجية ولا علاقة لها بهموم المواطن الخدمية، إلا أنها طوال فترة وزيرها الراحل صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل كانت ذات طبيعة خاصة في علاقتها بالمواطن، وظلت قريبة منه في حله وترحاله سواء عبر خدمات التأشيرات أو الارتباط الوثيق بالسفارات في الخارج لحمايته وتقديم العون له.ولكني أكاد أجزم أن أكبر قيمة لمسها المواطن من وزارة الخارجية تحت قيادة الفيصل «يرحمه الله» ذلك الشعور الفائض بالفخر والاعتزاز بالانتماء لوطن له قيمة كبيرة على الصعيد الدولي، فضلا عن أن مواقف وزيرنا الحبيب كان لها أكبر الأثر في الشعور بالفخر بأدوار بلادنا الأممية والإقليمية، فهو جعل من وزارة الخارجية عنوانا عريضا للروح الوطنية التي يشعر بها كل سعودي وهو يمثله الفيصل في المنابر الدولية وبين الأمم والشعوب.الى جانب ذلك الدور الدبلوماسي الرصين والمتزن الذي كان السمة البارزة في أداء فقيد الوطن والأمة، فإن علاقته الإنسانية كانت مميزة وتتدفق حكمة وذكاء تنعكس على المواطن السعودي، الذي أصبح بدوره يمثل سفارة لبلاده تعمل تحت إشراف وزير الخارجية الدبلوماسي الإنسان، وهنا نأتي لمزيج فريد في إدارة الشؤون الخارجية جعل وزارة الخارجية قريبة من قلب كل مواطن.نجح الفيصل باقتدار في قيادة الدبلوماسية السعودية عبر أربعة عقود في تقديم المملكة كدولة رائدة ومؤثرة في الساحة الدولية، وأسهم بحنكته وتجربته العريقة في السياسة الخارجية في التعامل مع أكثر الملفات تعقيدا، ولذلك فهو صانع سلام دولي افتقدته الإنسانية بأسرها ولسنا وحدنا الذي نفتقده، فمن واقع معرفته الواسعة وتحدثه بعدد من اللغات وعلاقاته الدولية المتشعبة استطاع اختراق أصعب جدران السياسة وقدّم جهدا نال به احترام العالم وتقديره.إننا لنألم لفقد حبيبنا الراحل الذي صدق وأخلص واجتهد وبذل جهده ووسعه من أجل أن تبلغ المملكة مكانتها الدولية اللائقة بحسب توجيهات قيادتنا الرشيدة، وأضاف لذلك من عبقريته الكثير الذي فتح مسارات لعلاقات راسخة ومتينة عادت بالمنافع والمصالح والتعاون المشترك مع كل أرجاء الدنيا، وتلك هي الحصيلة الرفيعة التي تركها لنا الفيصل له الرحمة والمغفرة.نسأل الله العلي القدير أن يتغمد سعود الفيصل برحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وإننا لنشهد أنه بذل الغالي والنفيس من أجل وطنه وشعبه وأمته، فاستحق كل الحب والتقدير، وهو جدير به فقد أسهم في منحنا احترام العالم وتقديره وذلك الشعور العميق بالفخر بمنجزات الدبلوماسية السعودية التي وضعت بصمة دولية تشهد بها منابر الأمم المتحدة ومنظماتها، فهو إذن تاريخ ناصع البياض يكتب بأحرف من نور عنوانه «الفيصل صانع السلام» وعبقري الدبلوماسية المعاصرة.* باحث اجتماعي