وعينا «نجيبوه» تدمعان..
.. هناك مكان ما في القلب عميق جدا، وصافٍ جدا حيث تتدفق المشاعر هادئةً تارةً كانفلات النسائم على صغار الموج، وعارمةً تارةً تثير الموج كبيراً صاخباً تهز أركان القلب وتضرب تخومهُ حتى تبكي السواحلُ والشطآن.. من تلك المشاعر مشاعر الحب.. ومشاعر الحزن.وآهٍ لمّا يجتمعان معاً..وإنك لتتمنى لو تصل لذلك المكان في القلب وتتحكم بمنابع الشعور.. ولا أحد يصل!عندما تذيع عواطفك عن حبيب رحل للناس تحسب أنك توزع حزنك عليهم ليرتفع الثقل قليلا عن نفسك، والنَّاس في أصل النفوس طيبون وهم جاهزون لتحمل شيء معك، بالدعاء، بالمشاركة، وبالعزاء.حمد عبدالله الحمد الزامل عاش طيلة حياته خفيفا على الأرض، خفيفا على الناس، لم يشوه أرضا مشى فوقها بالندوب والحفر بل يتركها مزهرة نضرة بذلك الحب العفوي والإدراك الذهني فتبقى كل بتلة ورد تحمل عبقه. وعاش أبو عبدالله لم يشوّه نفساً عرفته وعرفها بل تُشحن تلك النفوس بموج ضوء مليء بالإيجابية من حسن استقباله وبشاشته وحلو طبعه وعفويته التي هي مفتاح شخصيته. بقي مستشفى الدمام المركزي ببشـره ومكوناته يذكرون حَمد الزامل طويلا، لأنه أدار المستشفى كأول أعماله بعد انتهاء دراسته، بمهنيةٍ إنسانية لا تتأتّى إلا لمن يملك الهبتين الخلقيّتين حب الناس وعفوية المشاعر، ومع علمه وتخصصه بقي الناس يتحدثون عنه بالمستشفى والمدينة عقودا بأجمل ما يمكن أن يسمعه إنسانٌ عن إنسان آخر.. وترك فوح بتلاته به طويلاً.ثم خاض حَمد الزامل ملحمة كبرى ليس ليبني عملا عائليا تجاريا، كان القرار أصعب بكثير ويتطلب حزما ومعرفة وجُبّلة المغامرين المقتحمين الذين يتركون الأرض السهلة المبسوطة ليتسلقوا الجبال الوعرة العالية. كان القرار اختيار الصناعة في البدايات لما كانت الصناعة مثل الأحلام النائية عن الواقع، بينما كانت الخيارات الأسهل مفتوحة كما فُتحت لتجار كثيرين.كان الاختيار بمساندة أخيه الأكبر محمد وباقي الإخوة ان يتسلقوا الجبل العالي الوعر، اختاروا الصناعة لما كانت الصناعة كبلاد الأساطير يُسمع عنها ولا تُرى.. كان الاختيار توفيقاً من الله تعالى ليؤسسوا مفصلا راسخاً لبوابة الصناعات الكبرى في كل البلاد، وركبوا القاطرة مع كبار كشافي الصناعة لما كانت القاطرة لا ترى طريقا بل ترسمه بعزمها وتصميمها.. وصار اسم الزامل رمزا للريادة الصناعية، وإلهاماً للخيار الأصعب.. وما زالت حتى الآن الصناعة بتكلفتها وتحدياتها وتنافساتها وتقلبات الاقتصاد ومفاجآت التقنية خياراً صعباً.هل تغير حمد الزامل بعد ملحمة من ملاحم الحياة وخاض لججا مع أسرته تصعد وتنزل قبل الرسو؟ ليس في أصل طبيعته التغير في عفويته.. وربما كانت هذه العفوية التي رآها الناس بساطة وتلقائيةً مباشرة هي التي ساهمت في ثبات الروح العملية التي سطرت كتاباً من ضوء في كل مجال وصله ضوء هذه النفس، نَفْس حمد الزامل التي لم تعرف إلا ان تترجم حبها للناس خيرا بكل مكان وصلت له.سيحدثك الناس من أصغرهم لأكابرهم عن حمد الزامل وهم مبتسمون، لأن بسمة حمد هي أول ما فتحت مشاعرهم الأولى وبقيت معهم كالهدية الجميلة في مشاعرهم المتأخرة.وبالطبع كان للفقيد الغالي اثر بل آثار كبرى على مجمل حياتي، فهو الصديق والموجه والحبيب والذي يحيي المرح والحبور في وجداني.. هو الذي يحلو له أن يصوّت علي: "هاه نجيبوه؟"، حبا وتقرباً وإزالة عبقرية لموانع العفوية.رحمة الله عليك يا أبا عبدالله، يا ألطف من عرفت في القريب وفي البعيد. وعينا نجيبوه، يا أبا عبدالله، تدمعان لفقدانك... إنَّا لله وإنا إليه راجعون.