د. أمل الطعيمي

من السبب؟

يقول الله عز وجل في كتابه المبين: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) يتعامل كثير منا مع هذه الآية بسطحية بالغة بدءاً من بعض المفسرين الذين لم يسلموا من ذلك حين جعلوا الخطاب في هذه الآية (يا أيها الناس) موجها لأهل مكة أو لقريش، في حين أنه خطاب عام للناس في كل مكان وزمان ففي هذه الآية إرشاد لكثير من الأمور التي تقربنا من كتاب الله والتي من شأنها أن تجعل علاقتنا به تتجاوز حدود التلاوة اللسانية إلى التدبر العقلي والعاطفي. (ولا تحرك به لسانك لتعجل به) تلك السطحية وذلك الاجتزاء سبب في كثير الأخطاء التي ترتبت على سوء فهمنا وتعاملنا مع القرآن. وهي - على سبيل المثال - التي تجعلنا نكتفي بقراءة (وشفاء لما في الصدور) من أجل الشفاء الجسدي فقط. فيظل أحدنا يكرر هذه الآية لتشفى يده أو معدته من ألم ما؛ في حين أن القرآن كله هو الشفاء لكل ما في الصدر من شك أو اضطراب أو تساؤل وليس هذا بالأمر الهين، فنحن جميعاً مسلمون بالفطرة ولكن لسنا جميعاً بمؤمنين بكل ما في الإيمان من تفاصيل تختص بالحياة والتعامل مع الذات والآخرين وهي أمور كثيرة يتطلبها ويحققها الإيمان ويترتب اكتماله بها، فمن أحد جوانب الشفاء المقصود في الآية السابقة هناك التشافي بالحب ولهذا كان الكتاب هدى ورحمة للمؤمنين؛ الهداية لصالح الأعمال والرحمة بهم ولهم وبينهم.هل سيتحقق العدل بيننا دون حب؟ هل ستتحقق الأمانة دون حب؟ هل ستتحقق أوجه الخير المتعددة دون حب؟ كالإنفاق والتكافل والإيثار والإطعام والإعراض عن كل أنواع الإساءات التي تلحق بنا من بعضنا. بل هل سننطلق للمشاركة في صناعة الحياة بدءاً من معرفتنا لذاتنا وحبنا لها؛ الحب الذي يجعلنا نصدق معها فنواجه ضعفها وقوتها وما نسره من نوايا وأفكار تجاه من عرفنا ومن لم نعرف. نحن غالباً لا نفعل ذلك ولهذا بدأ تخبطنا يظهر بصور شتى وبخاصة ذلك التخبط الذي نتج عن التركيز على جوانب معينة في قراءتنا للقرآن والتعامل معه ومنها: أن تقرأ القرآن وتفاخر بأنك ختمته مرة أو عشراً في رمضان أو غيره وأنك اعتمدت على الجدول الذي أعده فلان لاحتساب قراءاتك أو أنك صرت توزعه على أجزاء وآيات تطرحه كل يوم على جهازك في برامج التواصل الاليكتروني فتعتاد على متابعة الرسم القرآني دون وعي والصوت القرآني المؤثر ولكن ماذا بعد؟ بماذا خرجت بعد قراءتك؟! دعوني أعرض نموذجاً واحداً من القراء. وهو مجموعات المشاركين في (الهاشتاقات) التي تتوالد بعد كل حدث ويسارعون للمشاركة قبل أن تتضح الصورة لهم ويفهموا تفاصيل الحدث نفسه ومع كثرة هذه الوسوم المسيئة للوطن والمواطن - والتي هي من صنعنا أو ربما من صنع تلك الحسابات المتصيدة والمصطنعة لكل سوء يشار به إلينا - تجد أن أصحاب تلك المشاركات التي تنز بكل قبيح من القول لهم حسابات يرسلون منها آيات قرآنية وأحاديث ومواعظ وحكما وأخلاقيات فضلى تتنافى تماماً مع كل ما يصدر منهم من مساوئ. كيف ولماذا؟ هل أصبح القرآن مجرد زينة نتزين بها؟! قديما كان الناس يتسابقون ليقفوا خلف قارئ معين يؤمهم للصلاة. واليوم يتسابقون لتزيين حساباتهم بالقرآن! وما بين زمن وزمن حدثت تغيرات كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع بعضها ايجابي وبعضها سلبي ولكن الذي تكرر في الحالتين هو هذا الموقف غير الواعي بقيمة كتاب الله وقيمة رسائل الحياة التي يضمها ورسائل الحب ومقاومة شهوات الإيذاء والإساءة لمن عرفت ومن لم تعرف وانتكاسة كبيرة لمفاهيم كبيرة عن الحب في الله والتراحم والمودة والعدل والأمانة والقوة والطهارة وغيرها كثير من قيم بات أكثرنا اليوم يرددها على لسانه ولا يقترب منها في فعله. ولو أن الأمر يتعلق بالفرد لقلنا هذا شأنه ولكن الخطر أن الأمر صار يعم ويشترك فيه كثير من الجهال والحمقى مهما كان سنهم أو علمهم وصار يؤثر سلباً وبقوة على صورة المواطن السعودي مع من يشاركونهم تلك البرامج في الدول الأخرى، وهذا ما يجب أن ننفيه وندفعه عنا بقوة لأن هذه الصورة السيئة لا تمثلنا حتى وإن كان أولئك منا ولكن ما هو السبب ومن المتسبب في هذا؟ لعلي أجيب عنه في مقال آخر.