خذ ولدي ليعيش.. واتركني أموت!
«عيب علينا أن تُهان الإنسانية هكذا».«عار علينا أن نقف متفرجين على الهول الذي يحدث أمام أعيننا للاجئين السوريين».«كيف يمكن أن ننام وأرواح بشرية تتلاصق بقوارب مهترئة يأكل لحمها لفح الشمس الحارق وملح البحر القاطع كالسكاكين؟»«لماذا هذا التقصير المفجع في حق آلام البشرية؟» «كيف نضع أطفالنا في أسرّتهم المريحة والأطفال السوريون يتجرّعون الهول في ليالي التيه بعرض البحر؟»«إن تركنا اللاجئين لمصير مريع نعلمه كلنا، فنحن أمة بلا ضمير».ولكن لحظة يا من قرأتم تلك العناوين المقلقة أعلاه..لم تخرج هذه العناوين في صحف عربية، لا والله. بل كلها من عشرات إن لم تكن مئات العناوين تتصدر عناوين كبريات الصحف البريطانية والأوروبية. وفي هذه اللحظة تخرج مظاهرات ومسيرات في مدن غربية تصرخ من أجل عمل المزيد -أكثر مما عُمل- للاجئين السوريين، الذين يصلون بحراً، وبالقطارات مكتظين على حدود الدول الأوربية- أي دولة أوروبية- من أجل التقاط فتاتة حياة.رأيت في أخبار التليفزيون رجلا سوريا منهوكا يضع أول قدم على جزيرة يونانية ضيقة ومزدحمة ويصرخ مذهولا زائغا: «الآن أشعر أني بشر.. بهذه اللحظة أشعر أني إنسان لي الحق في التنفس، لي حق بهذه الحياة».ورأيت بأخبار التليفزيون في جزيرة يونانية- حدد لها الاتحاد الأوروبي استقبال واستضافة ألفي لاجئ سوري- وإذ يصلها أكثر من عشرين ألفا، وجنود قوة السواحل اليونانية تبعدهم عن شبك وضِع كحاجز دونهم بالضرب المبرح، وهم لا يأبهون بضراوة الضرب الأليم؛ لأن ما وراءهم هو الفناء. وإذا بأم صغيرة تدخل يدها قسرا وجلدها يمزقه حديد الشبك والدماء تنزف، تمد طفلها الصغير لجندي، والصورة التي تخلع قلب الحجر الصوان تحكي وتقول: «خذ ولدي دعه يعيش.. واتركني أنا أموت».وشاهدت في التليفزيون وقرأت بالصحف أن آلاف اللاجئين المنقطعين السوريين حشروا في الثاني عشر من شهر أغسطس في ساحة ملعب بجزيرة «كوس» اليونانية التي يتراكم فيها لاجئون سوريون توقّعوا بُعيد تسجيلهم إدخالهم لليونان، والقصة ليست هنا، بل في أنهم حُشروا وتُركوا بلا طعام، بلا شراب، بلا مرافق نظافة على الإطلاق. ومن الذي احتج؟ لا، لسنا نحن، بل الرأي العام الأوروبي، وطبعا مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة.طيب، هل ألوم اليونان؟ لا، والله لا ألومها.. هذه الدولة المدقعة المفلسة التي تعرج اقتصاديا واجتماعيا، استقبلت سواحلها هذا العام حوالى ١٢٥ ألف لاجئ!!هذا ليس درسا للجغرافيا، بل صدمة ضمير: كم مساحة اليونان؟ وكم مساحة هذا العالم المتمدد من الخليج إلى المحيط؟«عارٌ علينا» تقول الصحف الغربية... فماذا نقول نحن؟!