معيار اقتصاد الوقود.. الحل الأمثل لكفاءة طاقة أكبر واستهلاك أقل
كشفت دراسة استقصائية قدمها الدكتور نظمي الخميس، الباحث في مجال اقتصاديات الطاقة، عن مدى فاعلية معيار اقتصاد الوقود السعودي المقترح. وبينت الدراسة أن معدل استهلاك الفرد لوقود مركبات «البنزين» للمملكة يبلغ حوالي أربعة أضعاف معدل الاستهلاك العالمي. ويرجع الباحثون ذلك إلى عدد من الأسباب أدى تزامنها والتأثير المتبادل فيما بينها الى وصول معدل استهلاك الفرد لهذا المستوى العالي. وقال الدكتور نظمي: إن هذا المستوى من الاستهلاك له عدد من الأسباب: انخفاض السعر المثبت للبنزين عن المستوى العالمي، ضعف قدرة البديل كالنقل العام والقطارات، وكبر مساحة المملكة وتباعد المدن وتركز أنماط النشاط الاقتصادي في مدن بعينها.أدى ذلك إلى مستوى عال من معدل امتلاك الأفراد للسيارات الخاصة واستخدامها.وأوضح، بالإضافة إلى هذه الأسباب، يبرز سبب رئيس: وهو عدم أخد المستهلكين كفاءة المركبة في استهلاك الوقود عاملاً أساسياً عند شرائها أو استخدامها والذي يصطلح على تسميته بفجوة كفاءة الطاقة (Energy Efficiency Gap).وأكد أن هذا المعدل المتضخم من الاستهلاك، بالإضافة إلى الوقود المستخدم في توليد الكهرباء، يمثل عبأ يتعاظم تأثيره مع مرور الوقت في إضعاف قدرة الدولة على تصدير النفط على المدى المتوسط و الطويل.واسترسل، وتعد الانبعاثات جراء احتراق الوقود أحد الأسباب الرئيسية في تلوث الهواء وتعظيم ظاهرة الاحتباس الحراري، إزاء ذلك، عمد صانع القرار إلى تبني سياسات تحد من هذا المستوى الكبير والمتنامي من الاستهلاك، وفي هذا الإطار، تبنى صانع القرار سياسات تتمحور على تقليل فجوة كفاءة الطاقة، ورفع كفاءة استهلاك المركبات للبنزين واستكمال البنية التحتية لقطاع النقل، ولهذا الغرض، صدر قرار بتطبيق معيار اقتصاد الوقود السعودي بدأ من العام الميلادي 2016 بشكل متدرج لمدة خمس سنوات ثم تطبيق معيار السنة الخامسة على السنوات اللاحقة. معيار اقتصاد الوقود أكد الدكتور نظمي أن اقتصاد الوقود هو قانون يفرض على الشركات المصنعة للسيارات لكي يكون معدل استهلاك الوقود في مجمل ما تبيعه من أسطول المركبات ليس أكبر من حد ما يسمى معيار اقتصاد الوقود للمركبات. وفي حال تجاوزت هذا الحد، تدفع الشركة المصنعة شرطاً جزائياً بمقدار معدل التجاوز وعدد السيارات المباعة.وذكر أن الهدف من القانون هو تغيير سلوك صانعي المركبات في صنع مركبات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود و سلوك المستهلكين في شراء المركبات، عن طريق الدفع بمركبات كفؤة في استهلاكها للوقود للسوق بأسعار أقل من الأسعار للمركبات الأقل كفاءة مقارنة بأسعار ما قبل تطبيق القانون.ويشمل القانون كذلك استيراد المركبات المستخدمة ومكافأة الجادين والمبتكرين من المصنعين في جودة وسلامة المركبات وملائمتها للظروف الطبيعية والمناخية للمملكة. وأضاف باحث الطاقة: «تطمح هذه الدراسة الاستقصائية إلى الإجابة عن السؤال التالي: ما مدى فعالية معيار اقتصاد الوقود في رفع كفاءة المركبات في استهلاك الوقود، وبالتالي تقليل استهلاك البنزين عندما يكون سعر الوقود منخفضا ووجود فجوة كفاءة الطاقة والتأثير المرتد؟»وتهدف الدراسة إلى إعانة صانع القرار على وضع آلية السياسة المناسبة ومكونات معيار اقتصاد الوقود في الوضع الأكثر فعالية. وأشار إلى أنه من جانب آخر، تتبنى الدراسة في تقيمها نموذجا اقتصاديا يقوم بإدخال فجوة كفاءة الطاقة في إطار نموذج توازن الاقتصاد العام. يتم من خلاله محاكاة للواقع و بناء سيناريوهات بفرضيات مختلفة.بناءً على النتائج، يمكننا استشراف مدى نجاح آلية السياسة في توجيه المستهلكين لتبني قرارات أكثر رشدا في شراء المركبات. أدوات ترشيد استهلاك الوقودقال الدكتور نظمي: إنه لتغيير سلوك المستهلكين في شراء المركبات من حيث كفاءتها للطاقة، هناك نوعان من آليات السياسة الاقتصادية: إما أن يتم رفع سعر الوقود،أو يتم رفع أسعار المركبات غير الكفؤة مقارنة بأسعار المركبات الكفؤة.وفي الآلية الأولى، يتم ذلك عن طرق فرض ضريبة الكربون على سعر السوق، مثلا، على أساس أن ذلك يساعد على تخفيض الانبعاثات الكربونية، وهذه الضريبة شائعة في كثير من دول العالم خصوصا الدول ذات مستوى الأفراد المرتفع والدول ذات البنية التحتية الجيدة في قطاع النقل كالدول الصناعية. أما الآلية الثانية، فقد أصبحت أكثر شيوعا منذ بداية الربع الأخير من القرن المنصرم، وجاءت كردة فعل على زيادة أسعار النفط وذلك عن طريق زيادة كفاءة المركبات في استهلاك الطاقة كما في دول أمريكا الشمالية وشرق آسيا ولاحقا في تقليل الانبعاثات من الغازات الدفيئة كما في دول الاتحاد الأوروبي. تقنياً، سياسات تقنين استهلاك الوقود وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة تؤديان إلى نفس النتيجة من حيث زيادة معدل كفاءة المركبات المستخدمة. وشدد على أنه لكل من الآليتين منافع وشروط للنجاح، فالضريبة أكثر فعالية على المدى القريب وأقل كلفة في تطبيقها ولكن هناك ضوابط اقتصادية واجتماعية لتطبيقها. الضوابط الاقتصادية تتعلق بكيفة تأثر بعض القطاعات الاقتصادية سلبيا بالإنفاق الإزاحي (Expenditure Substitution) كالمطاعم ومحلات تجارة التجزئة. والضوابط الاجتماعية فهي تتعلق بمدى قدرة محدودي الدخل على التكيف مع مقدار الزيادة على سعر الوقود. وأوضح أنه في المملكة، الوضع مختلف حيث إن سعر الوقود مثبت عند مستوى أقل من السعر المتوازن لقوى العرض والطلب، كما هي الحال في معظم الدول المصدرة للنفط. وأبان، يعتقد بعض الباحثين بأن تحرير السعر في الوقت الحاضر لن تفيد في خفض الاستهلاك من الوقود على المدى القريب والمتوسط، وذلك لضعف البديل من النقل العام، وأنه من الأفضل حاليا الاكتفاء بالآلية الثانية وذلك لحين استكمال البنية التحتية في قطاع النقل. وذكر أن آخرين يجادلون في أن رفع الأسعار يولد الفرصة البديلة لتطوير قطاع النقل من القطاع الخاص وترشيد سلوك المستهلكين لتبني سلوكيات أكثر رشدا في قراري الشراء والقيادة، ويجادلون كذلك لكون ضعف البديل كان نتيجة لمستوى الأسعار المتدني الذي لا يسمح بالاستثمار بالنقل العام أو القطارات. ويظل تبني معيار اقتصاد الوقود في الوقت الحاضر هو أفضل الحلول على المديين القريب والمتوسط. النموذج الاقتصادي المستخدم أكد الباحث في مجال الطاقة أن الملمح العام للنموذج الاقتصادي يقوم على ادخال فجوة كفاءة الطاقة في نموذج الاقتصاد المتزن العام(General Equilibrium) حسابيا، وحيث أن هذه الدراسة استقصائية، فقد افترضت وجود نوعين من المركبات:مركبات ذات كفاءة في استهلاك الطاقة ونوع آخر غير كفؤة. أما إدخال فجوة كفاءة الطاقة يتم عن طريق المنازلة(Trade-off) في قرار الشراء من قبل المستهلك بمعادلة رياضية تبين الرغبة في الشراء بين المركبة الكفؤة و غير الكفؤة. وأكد أن المصنعين على دراية تامة بسلوك المستهلك ويصنعون تباعا، قرار قيادة المركبات الذي يتم عن طريق معادلة رياضية تبين قرار المستهلك بين قيمة الوقود المستخدمة وسياقة المركبات غير الكفؤة بالأخذ في عين الاعتبار كمية المركبات من النوعين وأقصى مسافة لكل نوع. أيضا، تخضع كمية المركبات من النوعين إلى عمر افتراضي هو عشر سنوات وعندها تكون كمية المركبات خاضعة لـ(Stock and Flow) أو لمعادلة الحركة.ويتكامل كلا النموذجين الاقتصاد المتزن العام و نموذج سوق المركبات لينتجا حلا حسابيا متزامنا بسيناريوهات ذات فرضيات حسابية مختلفة عن ضوابط معيار اقتصاد الوقود وسعر الوقود. تأثير سعر الوقوديرى الدكتور نظمي أن تأثير سعر الوقود يظهر بشكل واضح على المسافة المقطوعة، ويكون تأثيره واضحا في قرار الشراء فقط،عندما يكون سعر الوقود عند مستوى عال بالمقارنة بدخل الفرد. وعند ذلك لا يكون له تأثير كبير على فعالية معيار اقتصاد الوقود إلا إذا كان سعر الوقود يؤثر على دخل الفرد، عندها يكون عاملا محفزاً لشراء السيارة الكفؤة.وأوضح أنه عند إدخال سعر الوقود بشكل تصاعدي و معيار اقتصاد الوقود ثابت يلاحظ أن شراء السيارة الكفؤة يزيد بشكل مضطرد مع سعر الوقود عندما تكون ميزانية الوقود تتجاوز الـ11% من دخل الفرد في هذا النموذج الحسابي.وأكد أن هناك افتراضين مهمين: وجود بديل ناجز للإركاب الفردي عن طريق النقل العام أو قدرة الفرد عن الاستغناء عن القيادة غير الضرورية، عندها يكون الارتفاع في الأسعار يؤدي النتائج مباشرة في تقليل القيادة وبالتالي تقليل الوقود المستخدم. وعلى النقيض من ذلك، يستلزم الأمر فترة زمنية بالسنوات لكي يأخد معيار اقتصاد الوقود فعاليته الكاملة، حيث يرجع الأمر إلى عمر المركبة غير الكفؤة الافتراضي وكيفية إحلالها بالسيارة الكفؤة أو تأثير (Flow and Stock Effect). الصورة أعلاه توضح هذه الفكرة.وبين أن هناك محددين مهمين لمعيار اقتصاد الوقود: الحد الأعلى المقرر لمعدل استهلاك الوقود لأسطول الشركة والشرط الجزائي الذي يفرض على الشركة المصنعة في حال تجاوزت هذا الحد.في هذا السيناريو، تم تثبيت الحد الأعلى لمعدل استهلاك الوقود لأسطول الشركة وتم تغيير الشرط الجزائي. وكشف أن النتائج توضح مدى أهمية تقدير الحد الأدنى للشرط الجزائي والذي يغير سلوك صانعي المركبات لعرض المركبات الكفؤة بسعر أقل نسبة للمركبات غير الكفؤة. ويمكن الاستنتاج أن فهم الحد الأدنى وتحديده يساعد صانع القرار فيضمن نجاح السياسة على الأخص عندما يكون هناك مجموعة كبيرة من المصنعين بمركبات ذات اختلافات كبيرة في معدل استهلاك الوقود لكل وحدة المسافة.التأثير المرتد والإنفاق الإزاحي قال الدكتور نظمي: إن السؤال الذي يراد الإجابة عليه هنا: عند اقتناء مركبة كفؤة،كيف سينفق قيمة الوقود التي يوفرها المستهلك؟ هل سيقود المركبة أكثر (التأثير المرتد)؟ أو سوف ينفقه في مناحي مختلفة في الاقتصاد (الإنفاق الإزاحي)؟ الإجابة على هذه التساؤلات تعتمد بشكل أساسي على مجمل الفرضيات التي يقوم عليها النموذج الحسابي وعرض النتائج هنا هو لبيان أن قيمة التأثير المرتد محدودة جدا ولا تؤثر بشكل جذري على فعالية معيار اقتصاد الوقود. وأكد أن الطريقة التي اعتمدتها للإجابة على هذه التساؤلات كانت عن طريق تغيير النسبة القصوى لميزانية الوقود من ميزانية الفرد العامة، فعندما وفر الفرد بامتلاكه المركبة الكفؤة، لم تكن زيادة قيادة المركبة تتعدى الـ 5 بالمائة، مشيرا إلى أن بعض الدراسات المعتد بها تؤكد أنه عندما طبق معيار الوقود في الثمانينات لم يتجاوز التأثير المرتد حدود الـ2.5%. الخلاصة خلص الدكتور نظمي إلى أنه يمكننا إجمال نتائج البحت في النقاط الأربع التالية. أولا، انخفاض سعر الوقود لا يؤثر على فعالية معيار اقتصاد الوقود. ثانيا، التأثير المرتد ذو تأثير محدود على فعالية معيار اقتصاد الوقود. ثالثا، لو توافر بديل اقتصادي لاستخدام قيادة الأفراد مثل النقل العام والقطارات وكان مستوى الدخل مناسبا لكان تحرير سعر الوقود وحتى فرض ضريبة أكثر فعالية في تخفيض استهلاك الوقود من آلية معيار اقتصاد الوقود على المديين القريب و المتوسط.رابعا، معيار اقتصاد الوقود ذو فائدة اقتصادية أكبر من فرض الضريبة لأنه يجعل الأفراد أمام خيارات استهلاكية تستطيع تنشيط الاقتصاد في القطاعات الأكثر فاعلية للنمو بينما يذهب العائد على زيادة السعر أو الضريبة في ميزانية الحكومة.وختم بقوله: «في النهاية، لا بد من التنويه لنقطتين أساسيتين:أولا،أهمية معيار اقتصاد الوقود التي لا تقتصر على تخفيض استهلاك الوقود بل لها فائدة أخرى تتعلق في المساهمة في خفض تلوث الهواء في المدن وكذلك المساهمة في كبح الغازات الدفيئة المسببة للتلوث المناخي. ثانيا، لكي تكون المراجعة لمعيار اقتصاد الوقود السعودي حرفية عام 2018، لا بد من دراسة فجوة السياسة الاقتصادية لأن الأهم هو تحديد الشرط الجزائي الفعال، وتغيير سلوك كل من الصانعين والمستهلكين». ![image 0](http://m.salyaum.com/media/upload/f57d6f3da34b4b5ac6796074424e9037_AY1MAN22C-5.jpg)![image 1](http://m.salyaum.com/media/upload/60a6025c047d5c88dd6b4f8160f232a8_AY1MAN22C-6.jpg)![image 2](http://m.salyaum.com/media/upload/4c4ad63a5359c1f028a68cd8497f40d6_AY1MAN22C-7.jpg)![image 3](http://m.salyaum.com/media/upload/738994cf50a7fe8a51c594418cefbafe_AY1MAN22C-8.jpg)