د. عماد الجريفاني

قوارب النجاة (1)

الكثير سمع عن قصة السفينة التاريخية التي كانت تدعى تايتانك وأنها غرقت ومات الكثير من ركابها بسبب عدم كفاية قوارب النجاة التي كانت على ظهر السفينة والتي لم تتناسب مع عدد الركاب وهول الحادث. قد تكون هناك أسباب أخرى أدت إلى وفاة هذا العدد الكبير من الركاب ولكن بلا شك كانت قوارب النجاة هي احد اهم الأسباب. المحزن في القصة ان الذين ركبوا قوارب النجاة وابتعدوا عن السفينة الغارقة كانوا يرون الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على مكان في قوارب النجاة يغرقون أمام أعينهم وصراخ الاستغاثة يدوي في كل مكان. إنها لحظات مؤثرة أن ترى أمامك إنسانا يغرق وأنت لا تستطيع ان تفعل شيئا. في هذه الحياة نتعرض إلى كوارث وإلى أزمات كثيرة ونحتاج ان نجهز قارب النجاة المناسب لكل أزمة. وهذه القوارب نحتاجها على مستوى الفرد والمجتمع فبعض القوارب الشخصية لا تنجي من الكوارث المجتمعية (أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث) وسأتكلم عن نوعين من القوارب المجتمعية في الجزء الاول من هذا المقال وعلى نوعين من القوارب الخاصة في الجزء الثاني من المقال: الأزمات الاجتماعية: نعيش كل يوم الكثير من الأزمات الاجتماعية ونرى غرقى من حولنا ونسمع صرخاتهم مثل أصحاب السفينة الغارقة ولكن للأسف لا نستطيع ان نفعل شيئا بل نخاف أن يأخذنا الموج معهم فقواربنا ليست بالمتانة التي تقوى على مجابهة أزمات اجتماعية عاتية. هذه الأزمات قد تكون أزمات فقر أو عنوسة أو بحث عن وظيفة أو طبقية مقيتة وعادات جاهلية وغيرها مما يعصف بمجتمعاتنا ونحن ننظر إليها ولكن البعض يحاول ان يغلق عينيه لانه يجلس في قارب نجاته ولا يبالي بالآخرين. ان التمتع بالجلوس في قارب نجاة خاص قد يساعد بعض الوقت ولكنه لن يصمد طول الوقت لاسيما إذا بدأت الأمواج العاتية ترتفع من كل مكان وتجعل قوارب النجاة الخاصة ريشة في مهب الريح. ان مجابهة الأزمات الاجتماعية تحتاج إلى إعداد وتعبئة مجتمعية شاملة يتساعد فيها الجميع وعلى جميع المستويات لبناء قارب النجاة الكبير الذي يسع شريحة كبيرة من المجتمع ممن يرغب في النجاة. نحتاج إلى تحول من النظرة الفردية إلى النظرة العامة فيما يتعلق بالأزمات الاجتماعية لكي ننقذ ما يمكن إنقاذه من المجتمع وندعم قواربنا المجتمعية لكي تصمد أمام المد الهائل الذي يحاول ان ينال من مجتمعاتنا. الأزمات الأخلاقية: قديما قال الشاعر (إنما الامم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا) نعم تدهور الأخلاق يعد من أكبر الأزمات التي تموج في المجتمعات وتسبب سقوطها واندثارها وهنا المسؤولية كبيرة على الجميع في بناء قارب النجاة الذي يحصن المجتمع أمام موجة التغريب وضياع الأخلاق. ان أي مجتمع لديه قيم وأخلاق حتى لو كانت متواضعة وهذه تمثل القارب الذي يركب فيه المجتمع ولكن كما أخبر المصطفى «صلى الله عليه وسلم» في حديث السفينة ووصف الأيدي الخفية التي تحاول نخر جسم السفينة بحجج واهية قد تنطلي على البعض وقد تجد الدعم من قبل البعض الآخر، ولكن على عقلاء المجتمع أن يدركوا أن هناك من يدس السم في العسل ويعمل في جنح الظلام تارة وأمام الملأ تارة أخرى في محاولات حثيثة لعمل الخرق في جسم السفينة. إن هذه السفينة كبيرة جدا وعلى متنها خلق كثير قد يداهمها الموج على حين غفلة فلا هم أصلحوا سفينتهم ولا هم قد بنوا قوارب نجاة تنقذهم من الغرق. على عقلاء المجتمع أن يعملوا على تنبيه الناس لهذه الأزمة والاستعداد على مستوى المجتمع لمواجهة سيل الأمواج الأخلاقية التي لم ولن تتوقف عن مهاجمة سفينة المجتمع فإما أن تكون قواربنا مستعدة أو سيكون الغرق.