حسن العالي

المؤسسات الصغيرة والاستثمار الأجنبي

عقد في الكويت الأسبوع الماضي مؤتمر الصناعيين الخليجيين الخامس عشر والذي ركز على موضوعات جذب الاستثمار الاجنبي بكونه إحدى الركائز الرئيسية للتنمية الصناعية والاقتصادية في دول مجلس التعاون.ولا شك أن انعقاد هذا المؤتمر على مدى الثلاثين عاما الماضية يعتبر بحد ذاته انجازا كبيرا، ويعكس الأهمية الحيوية للصناعة في الدفع بعجلة التنمية وتنويع مصادر الدخل خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والنفطية الراهنة.لقد تناول المؤتمر في أحد محاوره موضوعا في غاية الأهمية وهو دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في جذب الاستثمار الاجنبي. وتنبع أهمية هذا الموضوع من كون هذا القطاع يمثل الغالبية الساحقة من الاقتصاديات الخليجية، وبالتالي فان تعزيز دوره يعني نجاح دول المجلس في استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية العالمية التي لا يتجاوز نصيبها منها في الوقت الحاضر أقل من 1% فقط.ويشير تقرير لمنظمة الاونكتاد إلى الدور الريادي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر من واقع مسح ميداني ودراسة حالات معنية تمت ما بعد الأزمة المالية الآسيوية في سبع دول آسيوية. ويوضح التقرير إمكانية أن ترفع هذه المؤسسات حصة منطقة آسيا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لأكثر من 10% وأن بامكانها استقطاب قدر غير قليل من الاستثمارات الأجنبية والدخول في مشروعات مشتركة مع شركاء أجانب مما يساهم في نقل وتوطين التقنية الحديثة وتوسيع القاعدة الانتاجية وتحسين جودة المنتج وتعزيز القدرات التصديرية خاصة في القطاعات الانتاجية الناشئة. كما يمكن لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة أن تقفز بالنمو الاقتصادي، حتى في أكثر البلدان فقراً. بل إنها كثيرًا ما تشكل الأمل الوحيد في معيشة أفضل لملايين من أصحاب العمل والعمال في البلدان النامية. وتفيد إحصاءات منظمة التنمية الصناعية الأمريكية أن مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة تشكل نحو 90 في المائة من كافة مؤسسات الأعمال التجارية العاملة حالياً في إفريقيا. لكن مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة تواجه عقبات هائلة خاصة في البلدان النامية، حيث تشكل صعوبة الحصول على التمويل ونقص الموارد والقدرات الإدارية الداخلية والحواجز القانونية والتنظيمية تحديات لها شأنها.ويمكن للاستثمار الأجنبي المباشر أن يلعب دورًا هامًا في مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، إما عبر مشاريع مشتركة مع شركاء محليين أو عبر إقامة مؤسسات أعمال مملوكة أجنبيًا بالكامل. ويُيسر الاستثمار الأجنبي المباشر لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الحصول على التمويل ويجلب لها تقنيات جديدة وممارسات إدارة أعمال حديثة ويزودها بروابط مع السوق. وقد كان الجزء الأعظم من دعم الوكالة لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة حتى اليوم - أكثر من 70 في المائة - يتمثل في تزويد ضمانات للمؤسسات المالية التي تقرضها. كذلك ساعد الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع المالي للبلدان النامية على تحسين قدرة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة فيها على الحصول على رأس المال، وليس ذلك فحسب بل إنه ايضًا أدخل تقنيات جديدة وخدمات أفضل ومنتجات جديدة إلى الأنظمة المصرفية لهذه البلدان. وتوجد نماذج كثيرة في دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية بتأسيس صناديق تمويل مشتركة بين بنوك محلية ومؤسسات تمويل دولية مثل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي لتقديم تمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتقدر قيمة الصناديق والمشاريع المشتركة لمؤسسة التمويل الدولية مع شركاء في عدد من الدول العربية مثل تونس ومصر والأردن وسلطنة عمان وغيرها بنحو ملياري دولار. وتبين خارطة الاستثمارات الأجنبية في دول مجلس التعاون في الصناعات الصغيرة والمتوسطة أنها تبلغ 53 مليار دولار، وتمثل نسبة 14% من إجمالي الاستثمارات في الصناعة التحويلية. وحول توزيع هذه الاستثمارات على النشاطات الصناعية، فأن صناعة فحم الكوك والمنتجات البترولية المكررة تتصدر بنسبة 24.1 في المائة.ومن أجل تحفيز الاستثمار الأجنبي لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لابد من التغلب أولا على المعوقات التي تواجهها ولعل أبرزها ضعف أو غياب استراتيجيات متكاملة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات التمويلية والتسويقية والفنية والتصديرية الداعمة لأنشطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. كذلك عدم تمكن منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة من الاستفادة من حوافز الاستثمار ومن إعفاءات جمركية وضريبية، أو الحصول على أراضٍ مجانية أو بأسعار منخفضة، إذ أن حوافز الاستثمار يقصد بها غالبا منشآت الأعمال الكبيرة. كما تواجه منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة مشاكل تمويلية وتسويقية وإدارية تطرقت لها الكثير من الدراسات والمسوحات.وفي مجال دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الخليجية في جذب الاستثمارات تحديدا ينبغي إنشاء أجهزة خاصة بدعم وتنمية الصناعات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والترويج والتسويق لها عالميا لبناء شراكات ومشاريع مشتركة مع الاستثمار الأجنبي والعمل على توفير قاعدة بيانات متخصصة ومتكاملة عن منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة ونشرها على كافة الأصعدة والمحافل الدولية.كما يتوجب على الحكومات تقديم خدمات المشورة لهذه المنشآت فيما يتعلق بدراسة المشاريع واختيار الفرص التجارية ومعلومات عن الفرص التسويقية المتاحة عالميا لكي تكون أكثر قدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المتاحة لها. كذلك تقديم حوافز خاصة للمشاريع المشتركة التي تقيمها الصناعات الصغيرة مع رأس المال الأجنبي بهدف تعزيز نقل التكنولوجية، وتشجيع البحث والتطوير ما بين هذه الصناعات من جهة وما بين الجامعات ومراكز الأبحاث من جهة أخرى.وأحد المقترحات المطروحة في هذا المجال هو دراسة امكانية إنشاء بورصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الخليجية فى إطار إنشاء البورصة الخليجية الموحدة لكي يتم إدراج أسهمها في هذه البورصة ومن ثم تتاح إمكانية الاستثمار في هذه الأسهم من قبل رؤوس الأموال العربية والأجنبية. ![image 0](http://m.salyaum.com/media/upload/df510c97005081c9bf975ffffaa9bbaa_AY1MAN19Cnew-2.jpg)مؤتمر الصناعيين الخليجيين ركز على جذب الاستثمارات الاجنبية بدول مجلس التعاون