لمى الغلاييني

تعلمت كثيرا من خلاياي

أوجد الله سر الحياة ليعبر عن نفسه بشكل كامل من خلال خلايانا، والتي أجدها حين أتأملها قد تبنت ميثاقا روحيا بكل معنى الكلمة.   تتناغم خلايانا بذكاء مع حكمة الكون، وتغتنم كل لحظة وجود بإبداع متجدد وتناغم منسجم مع إيقاع الكون. الانانية مرفوضة تماما، فكل وظيفة في الجسد تتوقف على بعضها البعض، وكل خلية من خلايانا تسعى للعمل على رفاهية كل الخلايا وتموت من أجل حماية الجسد.تعترف الخلايا بسواسية أهميتها في الجسد فلا تتعالى إحداها على الأخرى، لأنها تدرك أن كل وظيفة تتوقف على الأخرى، ولذلك تبقى على اتصال دائم مع الخلايا الأخرى، حيث تجري الجزيئات الناقلة في كل مكان لإعلام المراكز النائية بالمستجدات مهما كانت تافهة، أما الانسحاب والرفض فليس خيارا بالنسبة لها.وهي تتكيف بسرعة رهيبة من لحظة لأخرى وتحافظ على مرونتها لتستجيب للحالات الطارئة وترفض أن تبقى أسيرة البقاء الجامد.تؤمن الخلايا تماما بقانون الوفرة، لهذا فالإفراط ليس واردا في تعاملاتها، فهي تعمل بأقل قدر من إنفاق الطاقة وعادة ما تخزن الغذاء والأكسجين داخل جدارها لثلاث ثوان فقط، ذلك انها تثق تماما في أنها ستتزود به دوما، وأن الاكتناز سيفسد صحتها.وهي ممتثلة بامتنان لنظام دورات الكون في النشاط والراحة، وتعبر عن ذلك بعدة أساليب كتبدل مستوى الهرمون، وضغط الدم وإيقاع عملية الهضم، وبالتعبير الأكثر وضوحا وهو النوم، لإيمانها بأن مستقبل الجسد يكمن في السكون الحاصل في اللانشاط، ولذلك فالنشاط العدواني مرفوض تماما. ونظرا لإرثها الجيني المشترك فالخلايا تعرف أساسا أنها متشابهة، وحقيقة أن خلايا الكبد تختلف عن خلايا القلب، والعضلات تختلف في خلاياها عن الدماغ، فكل هذا لا يلغي هويتها المشتركة التي لا تتغير، فمن الناحية المخبرية يمكن لخلية العضلة أن تتحول جينيا إلى خلية قلب عبر العودة إلى مصدرها المشترك، فالخلايا تظل مرتبطة بمصدرها بصرف النظر عن عدد المرات التي انقسمت فيها لأن كونها منبوذة ونائية عما حولها يشكل موتا وتهديدا لبقائها. ترفض خلايانا كل سلوك جشع، ليقينها بأنه يحدث دمارا على مستوى خلايانا، حيث الجشع هو الخطأ الأساسي الذي ترتكبه الخلايا السرطانية.دع حكمة جسدك ترشدك إلى الطريق، فكتاب الأسرار يقبع بداخلك وينتظرك لتسبح أبعد من المياه الضحلة وتغوص عميقا في نفسك، وتبحث بصبر وأناة حتى تجد تلك الجوهرة الثمينة التي نفخ فيها من روحه.