«والله يعلم وأنتم لا تعلمون»
ثمة قصة صينية قديمة شائعة، تحكي عن فلاح عجوز هرب حصانه الوحيد، ونظرا لأن جيرانه يعرفون أن ذلك الحصان هو عماده الأساسي في حياته، فقد توافدوا عليه؛ لمواساته، فبادرهم بقوله: "ومن يعرف أين الخير وأين الشر؟".خلال بضعة أيام عاد حصانه مصطحبا معه حصانا آخر بريا، فتجمع الأصدقاء مهنئين، لكنه عبر عن استغرابه من تهنئتهم قائلا: "ومن يعرف أين الخير وأين الشر؟"، ولم يمض أسبوع حتى انكسرت ساق ابنه الوحيد حين حاول امتطاء ظهر ذلك الحصان البري، وتجمهر المقربون للتعبير عن حزنهم فأجابهم العجوز: "ومن يعرف أين الخير وأين الشر؟".تندلع الحرب بعد مدة وجيزة ضد مقاطعة مجاورة، ويقتحم رجال الجيش القرية لتجنيد جميع الرجال القادرين إجباريا وتم استبعاد الابن؛ لكونه غير لائق للخدمة. تمضي القصة طويلا بقدر ما يتسع صبر القارىء، وترسل رسالة حكيمة مفادها أن العالم دائم التغير وزاخر بالتحولات، ولكي نفهم وصفا أو نقيِّم حالا فإن هذا يستلزم وجود نقيضه، وما يبدو لنا جيدا الآن قد يكون نقيضا لما بدا لنا في ظاهره أول الأمر.الضوء والعتمة في حالة تبادل دائم، وكل منهما موجود بسبب الآخر، ويخلق الظروف التي تهيئ المجال لوجوده، ولكي تضعف شيئا أنت بحاجة إلى أن تقويه أولا، ولكي تقبض شيئا فعليك ان تبسطه أولا، ولكي تأخذ شيئا يلزمك أن تعطيه أولا.ليس هناك من شيء إلا وله قطب مضاد، فكل هذه التناقضات متوحدة في جوهرها، وما الحركة في الكون سوى حركة توترية بين قطبين.يجعلنا ذلك نتفادى تصور النجاح من وجهة نظر واحدة، فحيث يوجد نجاح هناك دائماً فشل، ومن يعتقد ان الحياة يمكن أن تتألف من نجاحات تصطف خلف بعضها فقد بالغ في خداع النفس.«وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» يمكن للنجاحات أن تصبح إخفاقات حين تدمر أجزاء أخرى من حياة المرء، ويمكن للإخفاقات ان تتحول كخطوات على طريق النجاح، وحين نتوازن مع قانون القطبية في الكون فسنتمكن من أن نعيش بكل طاقتنا وننهل من حكمة الكون الربانية.