«التوظيف» وأثره على ريادة الأعمال
يحكى أن رجل أعمال (غربي) ذَا صيت عالٍ قضى مع زوجته عدة أيام في منتجع سياحي، وأثناء إقامته طلب من موظفة الاستقبال غسيل وكيّ ملابسه وبالفعل تم تقديم هذه الخدمة له أسوة بباقي الفنادق والمنتجعات السياحية، وبعد أن انتهت فترة إقامة رجل الأعمال وزوجته بالمنتجع وعندما همّ بالمغادرة ودفعْ مبلغ مصاريف إقامته، أخذ يراجع كشف حساب مصاريف إقامته بدقة كما هي عادة أغلب رجال الأعمال ووجد أن مصاريف إقامته أقل مما هو مفترض ولم يجد مصاريف غسيل وكي ملابسه، فسأل مدير الاستقبال عن ذلك مفترضاً أن يكون هنالك خطأً مطبعي، لكن مدير الاستقبال أكّد على أن كشف الحساب صحيح وأنه لا توجد أصلا بالمنتجع خدمة غسيل وكي الملابس، وهنا أصرّ رجل الأعمال على صحة موقفه وطلب استدعاء الموظفة التي قدمت له هذه الخدمة فتم استدعاؤها على الفور وعند مواجهتها برجل الأعمال قالت: فعلا لا توجد لدينا خدمة غسيل وكي الملابس، ولكن عندما طلب مني رجل الأعمال غسيل وكي ملابسه خجلت أن أرفض طلبا كهذا لشخص مثله، فأخذت ملابسه وغسلتها وقمت بكيّها في منزلي وأحضرتها له في اليوم الثاني، فأذهلت الحضور بتصرفها وابتسم رجل الأعمال وشكرهم وغادر. وبعد عدة أشهر، قرّر رجل الأعمال ذاته تنفيذ أحد مشاريع شركته العملاقة ذات العلاقة بقطاع الفندقة وفكر وفاضل بين عدة خيارات لكن أصرّ على ترسية هذا المشروع للمنتجع السياحي الذي أذهله بتلك الخدمة، وفعلا تواصل مع الإدارة العليا للمنتجع وأبلغهم بقراره هذا شريطة أن يكافئوا موظفة الاستقبال؛ نظير ولائها العالي وخدمتها الراقية، وفعلا تمت مكافأتها بمبلغ مجز مكّنها من افتتاح مشروعها الخاص.ومن هذه القصة يتضح جليّا أهمية المورد البشري ودوره المحوري في تحديد ملامح مستقبل المنشأة، فالاختيار الصحيح للموظف يساعد في زيادة الإنتاجية وتطور الخدمة، وبالتالي زيادة الحصة السوقية للمنشأة؛ مما يزيد أرباحها وتألقها ونجاحها، بينما يعتبر الاختيار الخاطئ للموظف سبباً رئيسياً في خسائر جمّة للمنشأة على صعيد إنتاجها أو مستوى خدماتها وكذلك سمعتها وبالتالي تقلّص حجم أعمالها مما ينهي مستقبل المنشأة مبكراً، وقد شهدنا الكثير من المواقف والقصص التي تسبّب فيها موظفو بعض المنشآت في إنهاء قصتها قبل أن تبدأ، وللأسف لا يتلمّس شباب وشابات الأعمال هذه الجزئية بل في غالب الأحيان يرجعون أسباب إخفاقهم إلى وضع السوق مثلا أو الإجراءات والأنظمة الحكومية وبعض ذلك صحيح، ولكنهم يتناسون أهمية اختيار الموظف الصحيح وأن فاتورة تعيين الموظف الخطأ أو استبداله باهظة جدا متمثلة في تكاليف التعيين والتدريب وتزعزع الولاء وتأرجح الجودة والإنتاجية الخ...يجب أن يعي جميع شباب وشابات الأعمال إمكانياتهم الحقيقية في عملية اختيار الموظف المناسب، حيث أنهم غالباً ما يكونون متمكّنين في الجزء الفني من مشروعهم الذي ولد منذ ولادة فكرة المشروع ولكن ليسوا بالضرورة أن يلمّوا إلماما تامّا بالجانب الإداري المختص بالتوظيف، والذي يجيده تماما مستشارو الموارد البشرية أو مديرو التوظيف المميزون، لأن عملية مقابلة الموظفين واختيار أفضلهم تتطلب حدسا عاليا وخبرة عريقة في تخصصات مختلفة سلوكية وإدارية وفنية أيضا يستطيع من خلالها مستشار الموارد البشرية أو مدير التوظيف قراءة المرشحين بشكل جيد واختيار أفضلهم. وهنالك عدة خطوات لاختيار الموظف المناسب من أهمّها:تحديد المتطلبات الوظيفيةوهي المرحلة الأولى من عملية التوظيف، والتي تحدّد ماهية المتطلبات لشغل الوظيفة: كالمؤهلات العلمية وعدد سنوات الخبرة وتخصص الخبرة الفعلي إن وجد، إضافة إلى المرحلة العمرية المطلوبة للمرشح، والجنسية وكذلك الجنس والراتب المحدد للوظيفة، وأيضاً المسمى الوظيفي للوظيفة الشاغرة والمرتب المخصص لها ومقر وساعات العمل.إعداد الوصف الوظيفيوبناء على المتطلبات الوظيفية يقوم الموظف المختص بإعداد الوصف الوظيفي أو ما يعرف بالـ (Job Description) والذي يُبنى على المتطلبات الوظيفية، وعلى أهداف الوظيفة بالتنسيق مع صاحب العمل أو المدير المباشر، وكذلك المهام والمسؤوليات المطلوبة من الموظف، فيتم إعداد الوصف الوظيفي لتحقيق متطلبات وأهداف الوظيفة ولمساعدة المرشحين في معرفة وفهم ما هو مطلوب منهم.البحث عن المرشحينوبناء على المتطلبات الوظيفية والوصف الوظيفي تبدأ رحلة البحث عن الموظف المناسب أو ما يعرف بالـ (Sourcing)، والتي تتميّز بجمع السير الذاتية المناسبة للوظيفة الشاغرة إما من خلال مواقع التوظيف الإلكترونية المتخصصة أو من خلال شركات التوظيف أو من خلال الإعلانات أو حتى من خلال المعارف الشخصية ومعارض التوظيف وغيرها الكثير من مصادر الحصول على السير الذاتية، ولكن الأهم من ذلك ملاءمة السيرة الذاتية للمتطلبات والوصف الوظيفي المقترح، ومن بعدها يتم فرز السير الذاتية بدقة بالتنسيق مع صاحب العمل أو المدير المباشر لتحويلها لمرحلة المقابلات الشخصية.المقابلات الشخصيةتعتبر هذه المرحلة هي الأكثر تأثيرا والأهم في عملية التوظيف سواء لصاحب العمل أو للمرشح، حيث تتيح لكافة أطراف عملية التوظيف اللقاء ببعضهم وتحديد مدى ملاءمة العملية للطرفين، حيث يقيّم صاحب العمل أو المدير المباشر من خلال المقابلات الوظيفية المرشحين ومدى ملاءمتهم للوظيفة؛ بناء على ملاءمتهم لمتطلبات الوظيفة والوصف الوظيفي المقترح، وكذلك من الناحية الشخصية في تحديد المهارات المطلوبة والتي لا تتضح إلا من خلال المقابلة الشخصية، كما تعطي المقابلة الشخصية الفرصة للمرشح للتعرّف على بيئة العمل وطبيعة العمل في المنشآة، وما هي توجهات إدارتها وأهدافها، حيث يتم في ختام هذه المرحلة اختيار أكثر من مرشح للوظيفة الواحدة؛ حرصا على إتمام العملية بشكل احترافي وعدم تعثرها في حالة اعتذار أحد المرشحين أو انسحابه. كما يطلب بعد هذه المرحلة تسليم جميع الوثائق الخاصة بالمرشح للتحقق منها ويتم الرجوع في وظائف معينة لمراجع أو معارف شخصية وهو ما يعرف بالـ (Reference Check) عن المرشح بشكل عام؛ لتزكيته والتأكد من خلو سجله من أي ملاحظات قد توثر في أدائه أو أداء المنشأة بشكل عام. الاختيار والتعيينتختتم عملية التوظيف بهذه المرحلة، فبعد المرور بكافة المراحل السابقة يتم اختيار الموظف المناسب وإعداد العرض/ العقد الوظيفي الخاص به ومن ثم يتم الترتيب والتنسيق لانضمامه للمنشأة. الخلاصة: الموظف هو رأس المال الحقيقي، فلنُحسن اختياره ![image 0](http://m.salyaum.com/media/upload/a4e050615e1d21424e105affa9b4f4fe_7.jpg)