سجدي الروقي

كتاب «مع الخيل يا شقرا»!

¿¿ لن تجد أبلغ من القرآن الكريم كتاباً ولن تجد فى غيره من الإعجاز البلاغي البديع مرجعاً، والمتأمل للكتاب الكريم سيجد اختياره صيغاً ذات معان متعددة،، ولعل وصف القرآن لاعظم معركة فى التاريخ فى صورة "الفيل" فى بضع كلمات لهو خير دليل على ذلك، ولو أن جهابذة اللغة واساتذة الإعلام وصفوا تلك المعركة لم يصلوا إلى ما وصل اليه القرآن، ولتجاوز عدد صفحات الوصف آلاف الصفحات قبل وصولهم الى خاتمة المعركة ونتائجها فى قوله تعالى (فجعلهم كعصف مأكول).¿¿ ومن آيات القرآن الكريم التى تدعو الى التدبر قوله تعالى (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) دعوة الى الوسطية والاعتدال وعدم الاسراف المعلوم او الشح المذموم، وبهذا يبقى الاعتدال فى المأكل والملبس هو ديدن المسلم ونهج طريقه السليم وهي قاعدة اقتصادية رائعة لمن يريد أن يعيش حياة وسطية معقولة إلا ما يقدم للضيف.¿¿ قبل أسابيع شن كتبة أعمدة الصحافة ومواقع التواصل وبرامج تلفزيونية وإذاعية حملة لم يسبق لها مثيل على صور لموائد تصدرها لحوم الجزور والعجول والخراف، بحجة أنها إسراف و"مهايط" وعدم احترام للنعمة، وكأنهم يريدون أن يقدم المضيف لضيفه قطعا من الكعك البولندي او شرائح الدجاج التشيكي او الآيسكريم الفرنسي!! أمر عجيب شنه المغردون وكتاب «مع الخيل ياشقرا» وسط قهقة ومباركة البخلاء!. وكأنهم لا يعرفون أن هذه سمة نتميز بها.. إكرام الضيف وفكاك العاني وإغاثة المهلوف، دعك منهم وقدم لضيفك ما يشعره بأهمية الضيف ونشوة كرم المضيف ومقدرته ودع مَن أياديهم مغلولة إلى أعناقهم، بشرط واحد فقط أن يؤكل كل ما يصنع وكما قال الحبيب المصطفى «في كل كبد رطبة أجر» فحتى الحيوانات لك بها أجر إن اطعمتها ما تبقى من مائدة ضيوفك.¿¿ وأعود لاذكر لكم قصة يتجلى فيها قمة الكرم فضيوف سيدنا إبراهيم "علية السلام" أربعة رجال منكرون، فماذا قدم لهم؟ عجلا وليس عجلا كأي عجل ولكنه عجل سمين، وكل هذا الكرم لم يسبقه صور "سيلفي" المائدة بل هي (روغة) وهى الالتفاتة السريعة "فراغ إلى أهله"، وصفها القرآن بكل دقة وروعة فى قوله تعالى (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون * فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون).¿¿ ولنا فى رسول الله أسوة حسنة عندما أتته سفانة ابنة حاتم الطائي سبية وقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي منّ الله عليك وخلِّ عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومي يفك العاني ويعفو عن الجاني ويحفظ الجار ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ويحمل الكَلَّ «الضعيف» ويعين على نوائب الدهر وما آتاه أحد بحاجة فرده خائباً، أنا بنت حاتم الطائي فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقاً، ثم قال: خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق) لم ينكر بأبي هو وأمي كرم أبيها وهو الذي نحر فرسه لشخصين وبات أبناؤه جياعا وضيوفه متخمين، بل قال إنها مكارم الأخلاق، والله المستعان.