الانتخابات الإيرانية القادمة .. صراعات داخلية تعكس سطوة الحرس الثوري
جاءت تحذيرات غلام رضا صفائي، رئيس دائرة التوجيه السياسي في مكتب علي خامنئي، من فوز الإصلاحيين بانتخابات مجلس الشورى المزمع إجراؤها في 26 فبراير المقبل، لتكشف النقاب عن عمق الأزمة التي يعيشها نظام طهران، حيث تعيش إيران ومنذ عام 1979 حالة اختطاف داخلي من قبل رجال الدين والحرس الثوري، والذين يسيطرون على جل الاقتصاد الإيراني، ولديهم سلطة مطلقة، تفوق سلطة الحكومة، والامتيازات التي يتحصلون عليها، لا يمكن أن تكون لو أن هناك سلطة تشريعية ومحاسبة حقيقية، كما أن الشباب الإيراني، وعقب الإعلان عن رفع الحصار الاقتصادي، وهو لازال رفعاً جزئياً غير مكتمل، يرى بأن المستفيد الأكبر من العائدات المالية هم المرتبطون بالحرس الثوري، ولهذا صدرت تصريحات للشباب الإيراني في وسائل الإعلام الجديد تؤكد بأن رفع الحصار لن يؤدي إلى تغيير الواقع الاقتصادي، فإيران بحاجة لاستثمار مايقارب 700 مليار في البنية التحتية التي لم تجر عليها تحديثات منذ عام 1979، وإن جل ما نراه في إيران، اليوم، هو من عهد حكم شاه إيران.المعركة الحالية في إيران هي بين مؤسسة الحرس الثوري، التي تتطلع لوراثة خامئني وتدفع بأن يتم تحديد البديل له قبل وفاته، في محاولة استباقية لعرقلة أية تغييرات، تبعد الحرس الثوري عن واجهة السلطة الفعلية في إيران، ولهذا فإن الانتخابات القادمة ينظر إليها بأنها جاءت في توقيت مأساوي، فإيران ترغب بالظهور وكأنها دولة مدنية، تحترم الآخر، لكنها تخشاه وتفتعل المواقف لمنعه من البروز والحضور والتأثير، ولهذا يحاول المحافظون المقربون من المرشد الإيراني والذين يهيمنون على مراكز صنع القرار والمؤسسات الرئيسية في إيران، ومنها مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على الانتخابات، أن يمنعوا ترشيحات واسعة للإصلاحيين، على الرغم من دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني السماح للجميع بالمشاركة في المنافسة الانتخابية، غير أن كلام روحاني ليس له أية قيمة في المعادلة الداخلية، وإنما جاء كلامه للاستهلاك المحلي والخارجي قبيل زيارته للدول الغربية.إن الدور الرقابي الذي يقوم به مجلس صيانة الدستور، ليس سوى عملية إقصاء واجتثاث للأصوات المخالفة في الانتخابات الإيرانية، وإن مهمة هذا المجلس تأتي بضوء أخضر من خامئني، وعليه فإن العديد من الإصلاحيين الذين تقدموا للانتخابات، فصلوا ولم تنظر في طلباتهم، لا بل واتهموا بأنهم "أشخاص متأثرون بالغرب يعارضون دور المجلس في غربلة المرشحين.. ليس هناك بلد يُسمَح فيه للجميع بالترشح للانتخابات" الأمر الذي دفع بالمنظمات الدولية للتشكيك في نزاهة الانتخابات القادمة قبل أن تبدأ، وذلك بعد مجزرة الإقصاءات التي طالت تيارا عريضا من الإصلاحيين.وتشير المعلومات، إلى أن هناك مخاوف حقيقية من الانفتاح الاقتصادي على الشركات والاستثمارات الغربية، وأن هذا الانفتاح سيؤدي إلى إنشاء منظومة من العلاقات وشبكة من المصالح التي تدعم التيارات الإصلاحية في إيران، كما أن هذه الشركات والاستثمارات، لديها تجارب مرة سابقة مع الحكومة الإيرانية، فعقب قيام الثورة اضطرت هذه الشركات لمغادرة إيران، وبعضها لم يتمكن من إنهاء معاملاته المالية، بسبب الانفعالات الثورية التي لازالت سائدة حتى اليوم، وعليه، فهي ترغب بألا تعيد الكرة مرة أخرى، لأنها ترى بأن الحرس الثوري يسيطر على الاقتصادات الإيرانية، وليس نوايا لإحداث تطوير وتغيير في بيئة الحياة السياسية والاقتصادية، ما يجعلها تشعر بمخاوف كثيرة، الأمر الذي دعا بعض الشركات لاعتماد دبي والمنامة مقرا له للانطلاق باتجاه السوق الإيرانية.منظمة هيومان رايتس ووتش قالت في تقرير لها بعنوان " انتخابات تحت التهديد " "بأن الانتخابات الإيرانية تحمل منذ البداية مؤشرات سلبية بسبب التدخل في تقييد حرية الترشيح لهذه الانتخابات" وهذا يعني أن الانتخابات ستكون داخلية بين أتباع الحرس الثوري ورجال الدين، وبعض المحسوبين على الإصلاحيين المقربين من المؤسسة الدينية، أو ما يعرفون بمجموعة هاشمي رفسنجاني البراغماتية، فهي مجموعة قريبة من المرشد، ومدافعه عن الثورة لكنها تتعامل بمرونة سياسية مع الغرب، وعليه ترى هيومن رايتس بأن السلطات الإيرانية استبعدت من السباق الانتخابي أغلب المرشحين الإصلاحيين بناء على معايير تمييزية وتعسفية"، وذكرت أنه "ما زال عشرات النشطاء السياسيين والصحفيين وراء القضبان جراء ممارستهم لحقوقهم". وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في المنظمة: "يعاني النظام الانتخابي الإيراني من مشكلات هيكلية جسيمة تقوّض فرص عقد انتخابات حرة ونزيهة. لم يُستبعد المرشحون من التنافس الانتخابي بناء على قوانين معيبة من الأساس فحسب، إنما أيضا يتخذ بعض المسؤولين إجراءات متعسفة تتجاوز سلطاتهم القانونية لاستبعاد أي مرشحين يشكلون خيارا آخر يمكن للناس التصويت لهم".مجمل ما تم رفضه من ترشيحات التيار الإصلاحي في إيران وصلت إلى ما نسبته 99% وتم إقصاؤهم من انتخابات مجلس خبراء القيادة وعلى رأسهم حسن الخميني المقرب من رفسنجاني رغم أنه حفيد الخميني، حيث استبعد مجلس صيانة الدستور أكثر من 6500 مرشح، رغم أن المجالس التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية قد أجازت ترشحهم باعتبارهم مستوفين لشروط قانون الانتخابات، الأمر الذي دفع بعضا من الشباب الإيراني لإطلاق شعارات تؤكد بأن الانتخابات تجري في جمهورية الحرس الثوري، وليس في الجمهورية الإيرانيةالملفت للانتباه أن قواعد الترشيح طائفية بامتياز ولا تراعي وجود مكونات قومية ومذهبية في إيران، فمن بين شروط الترشح للانتخابات في إيران، وعدا عن الشق المتعلق بالسجل الجنائي، إلا أنه يشترط في المتقدم للانتخابات أن يوقع على تعهد بالتزامه بأيديولوجية الدولة وولاية الفقيه والدستور الإيراني الذي يستودع السلطات الرئيسة بأيدي الفرس، كما أن الاستبعاد لم يعد قائما فقط على هذه الشروط، وإنما يطلب مجلس صيانة الدستور موافقات أمنية للمترشحين للانتخابات دون علمهم، وأحيانا يزود المجلس بمعلومات ذات صبغة أمنية عن حياة المتقدمين للانتخابات، ليسمح لهم بإقصاء من يرون هناك ضرورة لإبعاده عن الانتخابات لمجرد وجود شكوك تؤكد اقترابه أو لقاءاته مع مرشحين من التيار الإصلاحي، أو مراقبة تحركاته عبر وسائل الإعلام الجديد أو بريده الإلكتروني، لتكون بمثابة أدلة كافية للإقصاء.حسين مرعشي والذي كان من ضمن أعضاء لجنة سياسات الإصلاحيين في إيران، أشار في مقابلة معه في موقع ايلنا بأن مجلس صيانة الدستور وافق على 30 مرشحا من بين 3000 مرشح إصلاحي، بنسبة تصل إلى أقل من 1%، وهذا الوضع يعكس حالة من القلق الكبير الذي تعيشه إيران من الداخل، ولهذا تحاول إيران دائما تصدير مشكلاتها للخارج، أو استدعاء مشكلات خارجية، تساعدها في التوتير الطائفي للداخل، وذلك لإعادة توجيه مسار الانتخابات بما يخدم التيار الديني والحرس الثوري، ولهذا كان إحراق مقرات .البعثة السعودية من الأهداف التي تم الإيحاء للباسيج لإحراقها وذلك لتأجيج الشارع الإيراني.مجزرة الإقصاء طالت كل من له علاقة من قريب أو بعيد بمهدي كروبي ومير حسين موسوي وزهرا رهنورد – زوجة موسوي –رهن الإقامة الجبرية دون أوامر قضائية، وهم أبرز شخصيتين إصلاحيتين في إيران، فقد أقصي رسول منتخب نيا نائب رئيس حزب اعتماد ملي الإصلاحي الذي أسسه مهدي كروبي، واستبعد أيضا ماجد فرهاني رئيس حزب نداء إيران، وأيضا أكبر علامي العضو السابق في البرلمان الإيرانيومن المستبعدين الآخرين ماجد فراهاني، رئيس حزب "نداء إيران" الإصلاحي؛ وأكبر علامي، العضو الإصلاحي السابق في البرلمان، كما تم رفض ترشيحات حزب كارغوزاران المقرب من رفسنجاني، حيث تم استبعاد جميع مرشحي حزبه الـ 100 الذين سُجلوا في قوائم المرشحين.ولم يتوقف الأمر على مجلس صيانة الدستور في الاستبعاد والاجتثاث، وإنما مورس الاجتثاث وتكميم الأفواه عبر ميليشيات الباشيج الداخلية، فقد تلقت بعض المقربات من التيار الإصلاحي تهديدات مسبقة، وكذلك تم إبلاغ البعض بأنهم لن يحصلوا على موافقات أمنية، أو إنهم سيزودون المجلس بمعلومات خاصة وشخصية عنهم لمنعهم من الترشح، وهناك من تم افتعال مشكلات معهم قبيل التقدم بالترشح للانتخابات بعدة أسابيع، وكانت التقارير الأمنية قد وضعت ضمن لوائح هؤلاء الأشخاص معلومات تفيد بأنهم معارضون لقيم الثورة، أو على علاقة واتصال بمؤسسات أجنبية، أو جرائم أمن وطني ومقصود بها مثلا التعبير والنقد للنظام السياسي بمختلف أشكاله، ولو كان الجلوس مع مقرب إصلاحي، أو العثور على كتاب لمعارض في مكتبته وغيرها من الإجراءات، حيث حولت إيران المجتمع الإيراني إلى عصابة من الميليشيات والمخبرين الذين يرصدون الأنفاس ويصطادون الهفوات.كما أن سياسة الحكومة الإيرانية طيلة السنوات السابقة مع التيار الإصلاحي، تظهر وجود سياسة الترهيب للمواطنين، وذلك باعتقال محسوبين على التيار الإصلاحي في أغلب المدن الإيرانية والزج بهم في السجون دون محاكمات حقيقية، أو اعتقال زوجاتهم أو شقيقاتهم وبناتهم كما حدث في توقيت سابق بعد اعتقال ابناء هاشمي رفسنجاني واتهامهم بالفساد المالي، بغية الضغط على والدهم الذي وافق مجلس صيانة الدستور على ترشحه للانتخابات هذه، بينما ذات المجلس حرمه من الترشح للانتخابات الماضية، ما يؤكد على وجود مزاجية في الموافقة عى المرشحين لا تخضع للقانون، بل لمزاجات المرشد، والمحيطين به.إن المستغرب في الانتخابات الإيرانية وقوانينها العجيبة أن القانون يتسع كل عام لشروحات جديدة، مثل أن المرشحين للانتخابات عدا عن التزامهم بأيديلوجية الدولة وولاية الفقية، أيضا عليهم أن يلتزموا بحدود واضحة تفصلهم عن قتنة 2009 ، وهو إشارة إلى الاحتجاجات التي وقعت في إيران عام 2009 احتجاجا على نزوير الانتخابات، والتي حسمها المرشد بالقوة وبمباركة لحكومة أحمدي نجاد آنذاك، كما أن المحاكم الثورية تنشط قبيل الانتخابات بعد أشهر، بالترتيب مع القوى الثورية في إيران، وبعد متابعة ما يصدر عن أحزاب المعارضة من بيانات وغيرها، لتقدم بهم شكاوى إلى هذه المحاكم، التي تأمر بحل أحزابهم وجعل ممارستها للعمل السياسي محذورة، وبعضهم تسجل عليه قضايا تحول دون ترشحهم للانتخابات القادمة أو دعم التيار الإصلاحي.الملفت للأنظار أنه وعلى الرغم من السجل السلبي لإيران في مجالات حقوق الإنسان، والإعدامات المتوالية وبخاصة لأبناء القوميات غير الفارسية، والزج بالصحافيين والإعلاميين في السجون، وكذلك الإصلاحيين، فإن الهيئات الدولية والإنسانية والإعلام الغربي يتعامل مع هذه الأمور بشيء عادي دون إثارة كما عليه في بلدان أخرى، كما أن هذه المنظمات لا تتمكن من مقابلة العديد من السجناء لمخاوف من تصفيتهم عقب هذه المقابلات،.الانتخابات الحالية تعكس واقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إيران، حيث حجم الصراع بين أجنحة النظام، دفعت برفسنجاني نهاية العام الماضي 2015 للمطالبة بتشكيل مجموعة خاصة لانتخاب مرشد جديد في حال تعرّض المرشد علي خامنئي لـ "حادث" في إشارة منه إلى الوضع الصحي للمرشد الإيراني علي خامنئي، غير أن مقربين من الدوائر الإيرانية أكدوا بأن تصريح رفسنجاني والذي خلط الأوراق قبل الانتخابات، كان محاولة منه للضغط على اللوبي لوبي الحرس الثوري ورجال الدين للسماح له بالترشح للانتخابات وهو ما حصل عليه فعلا، حيث أن تشكيل لجنة لانتخاب المرشد، فيها إدخال أطراف وقوى جديدة في هذا الاختيار من شأنه أن يضعف فرصة الحرس الثوري، هذه المرة في السيطرة، حيث بدأ إعلام الحرس الثوري، ومنذ فترة طويلة، بالحديث عن دوره الرئيس في حماية الثورة والنظام السياسي وتقديمه التضحيات من أجل مصالح الدولة، الأمر الذي دفع بالمرشد إلى الاعتراف بدوره، لكنه اعتراف كان مرا على خامنئي الذي يحاول إدارة الأمور وفقا لتوازنات داخلية لا يجهلها أحدخامنئي الذي ألهب الصراعات وضاعف من حدة الانقسامات الداخلية عندما تحدث في هذا الجانب رداً على تصريحات رفسنجاني بتأكيده على أهمية هذا المجلس في انتخاب المرشد، قائلا: " يوم يرحل القائد الحالي عن هذا العالم، سيتحتم على هذا المجلس اختيار زعيم قادر، وإنه وبموجب تشكيلة المجلس، سيكون بوسع أعضائه اختيار زعيم يقاوم هجمات من وصفه بالعدو، ويتمسك بإيمانه ويواصل طريق مؤسس الجمهورية الإسلامية وأن هناك أيضا احتمالا أن يختاروا شخصا له مواصفات مختلفة عن المرشد الحالي .على استمرار دفع هذه الثورة"رغم المشكلات الداخلية التي تعيشها إيران، إلا أنه وللأسف فإن غالبية تقديرات الاستخبارات العالمية تؤكد وبما لا يقبل الشك بأن التحولات الداخلية لن تنتج نظاما جديدا خلال هذه الانتخابات، بل إن إيران تحتاج لسنوات طويلة من الاستقرار لتحقيق هذه المهمة، وإن الغرب ساع لدفع إيران إلى الداخل، غير أن حكومة الملالي تدرك بأن مجرد حدوث تحولات في المزاج الإيراني، فإن الثورة وقيمها تكون قد انتهت، ولهذا ستظل الحكومة الإيرانية على عادتها بدعم التطرف والإرهاب في المنطقة، لأن الارتداد للداخل يعني استحقاقات عديدة وصراعات وصدامات متوقعة.