اليوم - الدمام

الملك سلمان والإعلام: الشفافية والانفتاح

منذ تسلمه إمارة الرياض في 16 مارس (آذار) 1954، وعلى مدى أكثر من 60 عاما من عمله في بناء الدولة السعودية، مزج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بين اشتغاله بالحياة السياسية والإدارية، واهتمامه المتواصل بالثقافة والتاريخ والتراث ورعايته للفكر، وصلته المباشرة برجال الصحافة والإعلام.وقد وضع الملك سلمان، وفقا لـورقة عمل قدمها رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط سلمان الدوسري في المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 30» ، بصمة واضحة في المشهد الثقافي السعودي والعربي، ليس من خلال بنائه واحتضانه للصروح الثقافية والأدبية والتاريخية الكبرى، ولكن أيضا باحتضانه تطلعات مواطنيه واستيعاب همومهم وفتح الباب للتحاور معهم، وهي سمة مميِّزة لاستراتيجيته الاعلامية، التي تقوم على الشفافية والانفتاح والتواصل مع حفظ القاعدة التي تتكئ عليها البلاد وتشكل هويتها. كانت العبارة المشهورة في السعودية «الأبواب المفتوحة» بالنسبة للملك سلمان تمثل جانبا مختلفا، فهو غالبا ما كان يبادر بالدخول في حوارات عميقة وذات دلالة مع الكثير من رجال الفكر والثقافة والإعلام، ويعقب على أقوالهم أو مقالاتهم، أو يرصد نقاط الخلل الواردة في سردهم للأحداث التاريخية، وتاريخ شبه الجزيرة العربية، كما أن التاريخ السعودي، فنّ خاص تميز به الملك سلمان وأتقن جوانبه، وأحاط بمصادره، وهو يعتبر مرجعا مهما في سرد تفاصيله، وكذلك فيما يتعلق بأنساب القبائل الكبيرة في الجزيرة العربية.الإعلام ومكانة المملكةكانت المملكة العربية السعودية في الثمانينيات، لدى الكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية، تشبه القلعة المحصنة، وكان محترفو صناعة الإعلام يعتبرون دخول هذه القلعة (مغامرة) تستحق العناء. في تلك الفترة كان الإعلام العربي والعالمي يحاول أن يتعرف على آليات صنع القرار في السعودية، وعلى طريقة اتخاذ ذلك القرار وكيف يفكر المسؤولون، وماهي ردة أفعالهم تجاه التطورات التي تشهدها المنطقة، وبينها الحرب العراقية الايرانية، والحرب في لبنان، وأفغانستان، والحرب الباردة بين القطبين الكبيرين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي)، وقضايا النفط، والصراع العربي – الاسرائيلي، وغير ذلك من القضايا التي كانت تشغل العالم، وكانت المملكة محوراً مهماً في صلب تلك الأحداث. لكنها كانت تعاني من خلل رئيس في تواصلها مع وسائل الإعلام وخاصة العربية والعالمية. وهنا يمكن التأكيد بكل قدرة على أن أمير الرياض وقتها، سلمان بن عبدالعزيز، كان حلقة الوصل الأكثر موثوقية بين صناعة القرار السعودي ووسائل الاعلام في الخارج.يعرف الصحافيون العرب الملك سلمان، خلال فترة إمارته للرياض، فقد فتح الباب على مصراعيه لرجال الصحافة والإعلام، وجعل مجلسه مكانا يلتقون فيه، وخلال كل هذه اللقاءات كان يفتح الباب للنقاش والحوار في قضايا تمس المنطقة برمتها. لكن جميع الذين التقوه خرجوا بانطباع أنهم أمام رجل يتابع باهتمام وحرص أغلب ما ينشر في وسائل الإعلام، ولديه نظرة ثاقبة وبصيرة بما وراء السطور، وهو لا يتردد مطلقا في محاورة أو مناقشة أو الرد على الآراء التي يرى أنها خالفت المنطق أو قدمت معلومة لا يراها صحيحة.يقول الأستاذ عساف أبو ثنين عضو مجلس الشورى، وكان مديراً لمكتب الأمير سلمان عندما كان أميراً للرياض "اعتاد الملك سلمان أن يقرأ الصحف السعودية قبل خروجه من المنزل صباحا، وأحيانا أخرى في السيارة في طريقه إلى المكتب، بينما كانت ترسل له الصحف الكويتية واللبنانية والمصرية بعد صلاة المغرب، هذا بخلاف ما يلخصه له مكتبه من أهم ما تناولته الصحافة العربية والعالمية من مقالات وأخبار، فهو لا يخرج من منزله إلا وهو ملم ومتابع لغالبية ما نشر، وكان مبدأ الملك في ما ينشر من نقد بأنه إذا كان صادقا استفدنا منه في تعديل الأخطاء، وإن كان غير صحيح وضحنا الحقيقة". وهنا لابد من الإشارة إلى تحول إعلامي كبير شهدته المملكة منتصف الثمانينيات، حينها كان العالم يجهل حقيقة السعودية، بل يمكن القول ان الكثير منهم كانوا يملكون تصوراً بدائياً عنها، إلا أن انطلاقة معرض المملكة بين الأمس واليوم، والذي أشرف عليه شخصياً الملك سلمان، مكن هذه المعارض من تغيير الانطباع من صورة السعودي البدوي والجمل وبئر البترول إلى السعودي طالب العلم والمعرفة ورائد الفضاء، حيث ساهمت تلك المعارض، التي تنقلت بين المدن والعواصم الأوروبية ووصلت الولايات المتحدة الأمريكية، في تغيير الصورة الذهنية والنمطية التي تكونت لدى الشارع الغربي، ولعلي هنا ألخص نجاح المعرض بما وصفته صحيفة ديلي تليغراف اللندنية في تغطيتها عن المعرض: الحملة الإعلامية أدخلت المعرض كل البيوت.وعندما كانت العلاقات السعودية المصرية مقطوعة (إثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد)، كان المعرض يقام في باريس، واستأذن الملك سلمان من شقيقه الراحل الملك فهد أن يلتقي الرئىس المصري الأسبق حسني مبارك الذي كان في زيارة لفرنسا، من أجل إقامة المعرض في القاهرة، وبعد ساعة من اللقاء وافق الرئيس المصري على إقامة المعرض، ويمكن اعتبار إقامة المعرض في القاهرة وسيلة لعودة العلاقات بعدها بين البلدين، وهو الهدف الحقيقي من الفكر أساساً.الرقيب «الناعم»: «أنا رئيس تحرير ما بعد النشر»هنا يبرز جانب آخر من سيرة الملك سلمان، فبمقدار صلته بالإعلام وما ينشر لم يكن يمارس دور «الرقيب» بالمفهوم السائد، فهو لا يتدخل لمنع أو حجب أو الحجر على الرأي المخالف، لكن أي معلومة تمس تاريخ المملكة، أو تتناول الرياض التي بناها وعرف تفاصيلها، لن تفوته، كما أن أي كاتب يجد أنه يستثير نعرات أو يحرض على العصبية سيجد أمامه ناقدا بصيرا هو سلمان بن عبدالعزيز. هذا حدث فعلا في رده على مقال صحافي في جريدة محلية تحدث بلغة مناطقية لم يرتضها، فكتب ردا نشره باسمه في صفحة الرأي.هو أيضا صاحب العبارة الشهيرة «أنا رئيس تحرير ما بعد النشر»، وقوله: «أنا أجل وأحترم كل الصحافيين وأكن لهم كل الاحترام وفي الوقت نفسه أشجعهم وألومهم. إذا أحسنوا شجعت وإن اعتقدت أنهم أساءوا لمت». وهو القائل، عندما سأل عن نظرته عن الإعلام السعودي «الإعلام شهادتي فيه مجروحة، وأنا دائما على اتصال به سواء إيجاباً أو سلباً». وفي الأيام الأولى من الغزو العراقي للكويت عام ١٩٩٠، صدرت مجلة الوطن العربي بغلاف شهير تحت عنوان "لبيك ياصدام" مع صورة للرئيس العراقي الأسبق مؤيدة قرار الغزو، وبعدها بأيام اتصل رئيس تحرير المجلة وليد أبو ظهر بالملك سلمان طالباً رأيه في موقف المجلة هل يستمر مع تأييد العراق وغزوه، وضد السعودية والكويت؟ فقال له الملك لديك ثلاثة خيارات: الأول أن تستمر في تأييدك لموقف صدام حسين وأنت معذور في ذلك، وإما أن تكون على الحياد وأيضاً مفهوم موقفك، وإما تكون معنا ومع الحق فمرحبا بك، وفعلاً بعد ذلك تغير موقف المجلة لتتخذ موقفاً مغايراً لما كانت عليه. عتاب لا عقابوفي بعض الأحيان ربما اغرت سياسة (الابواب المفتوحة) بعض وسائل الاعلام للاستفادة من سقف النقاش العالي داخل مجلس سلمان بن عبدالعزيز، لتصنع منه مادة صحفية، لم يجر الاتفاق بشأنها. فمن المعروف في العرف الصحفي أن الأحاديث غير الرسمية تخضع لنظام الخصوصية الذي يمنع نقلها او نشرها أو ترويجها، لأنها ربما صيغت بطريقة لا تعكس المواقف المتخذة بالضروة.نتذكر في هذا الصدد، واقعة حدثت في شهر مارس (آذار) 2012، عندما كان الملك سلمان وقتها وزيرا للدفاع، حيث استغل رئيس تحرير احدى الصحف الكويتية، حديثاً مفتوحاً بين (الأمير) سلمان في ذلك الوقت، وعدد من ضيوفه وبينهم اعلاميون بارزون، في ان يحول ما دار إلى حوار صحفي تبين أنه لم يتم اجراؤه اصلاً..بعض المواقف التي تم ايرادها على لسان وزير الدفاع (الأمير) سلمان (وقتها)، لم تكن حقيقية ولم تعكس رأيه أو مواقف المملكة، وبعضها يمثل حرجاً للسياسة السعودية. رئيس تحرير الصحيفة الكويتية نفسه اعتذر بعد أن أوضحت وزارة الدفاع ان (الأمير سلمان) لم يجر حواراً، أصلاً، وأنه لا يتبنى تلك المواقف. وقال الزميل الصحفي بعد اعتذاره مبرراً ما حدث بأنه كان في حفل عشاء عند الأمير سلمان، ودارت أحاديث كثيرة حول عدد من الأمور التي تهم المنطقة، وأضاف “وجدت أنها تستحق النشر. لكنّ المراقبين، ومن يعرف خبايا العلاقة بين السياسيين في العالم العربي ووسائل الإعلام توقفوا طويلاً أمام ردة الفعل التي اتخذها سلمان بن عبدالعزيز. فالجميع يعي خطورة أن تختلق تصريحاً، فضلاً عن حوار كامل وتنسبه إلى شخصية عامة، بحجم وزير الدفاع وقامة كبيرة بحجم سلمان بن عبدالعزيز.. الذاكرة الصحفية العربية تضج بمواقف أقل من هذا الحدث تحولت وبالاً على المؤسسة الصحفية وعلى الاعلامي نفسه، وربما تحولت في بعض الأحيان إلى أزمة مستحكمة. نعلم جميعاً أن بعض الصحف العربية (عوقبت) في العديد من البلدان الشقيقة بسبب ما كان يعتقد أنه خطأ في تلميح أو اشارة لم تحظ برضا المسؤولين هناك، فكيف باختلاق حوار ونسب مواقف لمسؤول كبير يعبر بالضرورة عن صناعة القرار في بلده في وقت تشتعل المنطقة بالأزمات. لكن سلمان بن عبدالعزيز، تعامل مع الموقف بأقل كثيراً من حجمه، ولجأت الوزارة التي يديرها إلى اصدار بيان يضع الأمور كما هي، ولم نسمع أن هناك دعوى قضائية او شكوى أو عقابا طال الصحيفة أو الصحفي، غني عن القول لو أن هذه القصة حدثت في جمهورية عربية لرأينا العجب العجاب عقاباً للصحافي الذي اختلق القصة. والملك سلمان حريص على ألا ينسب إليه أي فعل لم يفعله مهما كان جيدا أو نبيلاً، ولعلي أشير لتسجيل تضمن قراءة لسورة المزمل نسبت للأمير، وانتشر على نطاق واسع على اليوتيوب وحظي بتقدير وإعجاب المدونين وكانت ردود الفعل عليه قوية وإيجابية، فما الذي فعله الملك؟ اتصل على صحيفة الشرق التي نشرت الموضوع على صفحتها الأخيرة، نافياً صحة التسجيل المنسوب إليه. وقال الأمير في اتصاله «إنه لشرف كبير، وكنت أتمنى أن يكون لي، ولكنني لم أتعود أن ينسب إلي شيء لم أفعله وأسكت». هنا لا تخطئ العين حرص الملك على ألا ينسب إليه أي فعل لم يفعله مهما كان جيدا. فكان رده تجلى فيه الأدب مع القرآن الكريم والحرص على الصدق.وفي عام 2002 زار الملك سلمان لبنان في طريقه لجنيف، حيث زار أخاه بالمستشفى الأمير الراحل نواف بن عبدالعزيز الذي تعرض إلى وعكة صحية، لكنه حرص أيضاً على زيارة إنسانية إلى الصحافي العربي نبيل الخوري في منزله، بالرغم أنه كان في غيبوبة ولا يعرف زواره، غير أن الملك كان حريضاً على الوفاء لصحافي كانت له مواقف عربية مشهودة.الشفافية والتواصل لدى الملك سلمانلقاؤه الأول بعد تسلمه مقاليد الحكم، مع نخبة من المثقفين والاعلاميين السعوديين كان مميزاً، ففي ذلك اللقاء الذي حدث يوم الأربعاء, 28 أكتوبر/تشرين الأول 2015 أرسى دعامتين أساسيتين لعلاقة الدولة، وعلاقة الملك الشخصية مع وسائل الإعلام، حيث أكد على ضرورة أن يكون الإعلام السعودي منسجماً مع الثوابت الاساسية التي اصطلح عليها المجتمع: "على نهج الكتاب والسنة"، لكنه أرسى سمة ثانية تقوم على الشفافية والانفتاح، داعيا الإعلاميين السعوديين إلى التحدث بما يثري التواصل مع قيادتهم.وفي تعبير صريح على التواصل بين القيادة السياسية والشعب، وأن قوام هذه العلاقة هي الثقة والمسؤولية المشتركة، بكل انفتاح وشفافية، أكد الملك سلمان أن "منطلقنا واحد - والحمد لله - شعبا ودولة، وأحب أن أقول لكم يا إخوان نحن نتحمل المسؤولية الآن، وولي العهد وأبناؤنا معي في تحمل المسؤولية"، وقال: "رحم الله من أهدى إلي عيوبي، والإعلام أي شيء ترون له أهميته فأهلا وسهلا، التليفون مفتوح والأذن مفتوحة والمجالس مفتوحة". الملك سلمان وحوار المثقفينمرة أخرى يخوض الملك سلمان مناقشات مطولة مع رجال الصحافة والثقافة، عمادها مكانة بلادهم وشرعيتها، ففي أول ملتقى للمثقفين السعوديين عقد في الرياض في 25 مارس (آذار) 2004 دعا الملك سلمان بن عبدالعزيز المثقفين لتوطيد أواصر العلاقة بموروثهم الحضاري، وفي الوقت نفسه حذر من محاولات التزمت والجمود، منوها بالخصوصية السعودية القائمة على الدين والتي تحافظ على مكانة البلاد باعتبارها قبلة المسلمين في العالم. وبيّن أن المملكة العربية السعودية تمتاز بخصوصيتها الدينية، مخاطبا المثقفين السعوديين بالقول: «أعطوني بلادا يتجه لها المسلمون 5 مرات في اليوم»، معتبرا أن على المثقفين السعوديين المحافظة على هذه الرسالة والمسؤولية.كما تحدث الملك سلمان عن الحضارة الإسلامية التي انطلقت من الجزيرة العربية نحو العالم، معتبرا أنها ساهمت في التواصل الثقافي لحضارات الأمم والشعوب، مؤكدا أنه يرفض «التوقف والجمود»، وفي الوقت ذاته فقد حذر من تجاهل التراث الحضاري للأمة الإسلامية، وقال: «بصراحة إن من يدعو للجمود والتوقف ينسى أن الإسلام دين التطور».في لقائه بالمثقفين (2004)، قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، الذي كان يتولى إمارة الرياض، وهو يناقش مقولة طالما كانت تتردد في وسائل الإعلام العالمية، وهي إن السعودية قامت على السيف، في ذلك اللقاء، كما في مناسبات مختلفة يفتح المجال للنقاش قائلا: «إن هناك من يقول: إن هذه الدولة قامت على السيف، ولكن أقول لهم: أعطوني دولة في العالم قامت أو توحدت من دون القوة». ثم يقول: «أعطوني دليلا واحدا على أن هذه الدولة قامت على دعوة قبلية»، معتبرا أنها عملت على مزج القبائل التي كانت قبل قيامها تشكل عاملا في تقسيم الناس. الملك سلمان وعين الناقدالمتابعة والنقد بشكل علمي هي سمة بارزة للملك سلمان، ليس في القضايا ذات الصفة الاعلامية فحسب، بل حتى في القضايا التاريخية، فكما أنه قارئ نهم للتاريخ، هو أيضا متابع للدراسات والتحقيقات، وهو لا يتوانى عن ردّ الشبهات بأسلوب علمي رصين، فمثلا حين ذكرت إحدى القنوات التلفزيونية العربية، من خلال برنامج كانت تبثه في أبريل (نيسان) 2008، معلومات رآها الملك سلمان مغلوطة، وتتعلق بنسب آل سعود، بعث برسالة صيغت بعناية ودقة تحتوي على سيل هائل من المعلومات الموثقة عن نسب آل سعود، كما صححت معلومات رآها خاطئة بشأن اعتماد الدولة السعودية في قيامها على السيف، والعصبية القبلية.في تلك الرسالة «الوثيقة»، حرص الملك سلمان أن يمهرها بتوقيع يحمل صفة المثقف، وليس الأمير المسؤول والقيادي في الدولة، فوقعها بصفته رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز.ويذكر زين العابدين الركابي، في كتابه: «سلمان بن عبدالعزيز.. الجانب الآخر»، (من إصدارات العبيكان)، أن الملك سلمان بن عبدالعزيز ورث عن أبيه «حظا موفورا من الخصائص والمواهب، كالذكاء المتوقد وسرعة البديهة، وقوة الإيمان، وقوة الذاكرة التي لا غنى عنها لكل قائد ناجح». «ومن الخصائص المشتركة المهمة أيضا، ذلك الشغف المعرفي والنزوع إلى تحقيق تنوع ثقافي متعدد المصادر، فهو يقرأ في الدين والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الأنساب والاجتماع»، كما أنه «صديق صدوق للكتاب (…) ولعل مكتبته المنزلية خير شاهد على مستوى اهتمامه بالجانب الثقافي إذ تحتوي رفوفها على ما يزيد على 60 ألف مجلد تغطي 18 ألف عنوان متنوع يشمل مختلف حقول المعرفة وميادين الثقافة».إعلاميون وسلمان بن عبدالعزيز يعرف القاصي والداني شغف الملك سلمان بن عبدالعزيز، قبل أن يتولى الملك، بالمعرفة والإعلام ومتابعة ما تنقله الصحافة وكيفية صناعة الخبر والرأي.والحقيقة أن الملك سلمان منذ شبابه اعتاد على متابعة الإعلام وما يكتبه وينفرد به الإعلاميون. ويقول قريبون منه انه يمتلك ثلاث مزايا كلها أسهمت في جعله القارئ والمتابع النهم. الأولى حب الاطلاع ونهل الثقافة، والثانية تقديره خطورة الإعلام في الحياة السياسية، وثالثاً شخصيته الجذابة التي سمحت له بنسج علاقات وثيقة مع معظم كبار الصحافيين والإعلاميين العرب.وحقاً، استحق الملك سلمان عن جدارة منحة "الجائزة العربية للإبداع الإعلامي" لعام 2011، وذلك خلال "المنتدى الإعلامي العربي الثامن"في أبريل (نيسان) 2011 بالكويت. وجاء في كلمة وزير الإعلام السعودي في حينه الدكتور عبدالعزيز خوجة قوله "يطيب للإعلاميين أن يطلقوا عليه لقب صديق الإعلاميين، وهذا ما نعرفه عنه من حبه للإعلام ورعايته له ودفاعه عن الإعلاميين في مواقف كثيرة أصبحت علامات على طريق العمل الإعلامي).في شهادة الأستاذ سمير عطا الله، الكاتب في صحيفة "الشرق الأوسط"، عن الملك سلمان قوله "لا أعرف بين الزعماء العرب قارئاً واسع الآفاق مثله. كنت إذا أشرت إلى كتاب جديد أعتبره مهماً، يطلب من مساعديه إحضاره. وإذا لم يكن الكتاب مترجماً، أمر بترجمته. وإن قابلته بعد عام، ناقشك في الكتاب أو في مقال نال استحسانه، أو في خطأ تقديري. خلال حرب البوسنة قال لي، موقفك الأخلاقي لا غبار عليه، لكن يبدو أن تقييمك للسياسيين عاطفي. في بعض القضايا، تتطلب الرؤية الحسنة أن نضبط عواطفنا، وليس أن ننساها". ثم رداً على سؤال خلال تلك المقابلة عن سبب قوله إن الملك سلمان بن عبدالعزيز أعطى للصحافة من الاهتمام ما لم يُعطها أي زعيم عربي آخر، أجاب: "استندت إلى معرفة وثيقة عمرها أربعة عقود. قلت إنه أعطى "الاهتمام" ولم أقل "الرعاية". لم يتعامل مع الصحافة إلاَّ كخبير في شؤونها. لم ينظر إليها من الخارج، بل من الداخل. ميزته أنه لا يقرأ فقط ما هو مكتوب، بل خصوصاً ما لا يُكتب. وكان يصفح عن صغائر الصحافة ويقدّر جهدها والتزامها. وسَمعته مرة يقول عن صحافي معروف لم يكف عن مهاجمة المملكة "يجب أن نفهمه. إنه حُطيئة هذا العصر. ويكفيه ما تعذبه نفسه".ويتذكّر زميل آخر من كتّاب "الشرق الأوسط" مناسبة أفرحته وأحزنته في هذا الإطار. إذ يقول إنه لم يسعده الحظ بلقاء الملك سلمان أثناء زيارة له إلى مكاتب الجريدة في لندن، لأنه كان في إجازة قصيرة في اليوم الذي تمت فيه الزيارة، لكن رئيس التحرير أبلغه بعد عودته في اليوم التالي أن الملك سلمان سأل عنه بالاسم عندما التقى بجهاز التحرير. وعندما استوضح بسعادة وباعتزاز عن السبب، أجابه رئيس التحرير لأنه أراد أن يناقشك حول معلومات وردت في مقالتك عن لبنان في صفحة الرأي. ويضيف الزميل، انه عرف عن كثب أن الملك سلمان كان ملمّاً بدقائق الشأن اللبناني وتفاصيله ويعرف خلفيات لاعبيه إلى درجة يحسده عليه أي خبير في ملف بمثل هذا التعقيد.بقى أن أشير إلى أكثر من مناسبة رافقت خلالها خادم الحرمين الشريفين في زياراته الخارجية، ولياً للعهد وملكاً، وأكثر ما لفتني تأكيده المستمر على وسائل الإعلام بعدم اعجابه بالمديح بل وتشجيعه لهذه الوسائل بالنقد الموضوعي، كما كان يشجع الصحافيين على تقبل النقد، ويقول إن الكاتب يمضي العمر في نقد الآخرين لكن صدره يضيق بكلمة نقد من الآخرين مما يشعل المعارك الصحافية المسيئة للفريقين. وهي كلمات لم يقلها الملك ويعيدها أكثر من مناسبة إلا لإيمانه ودعمه الكبير لوسائل الإعلام في إبراز الصورة الحقيقية عن المملكة العربية السعودية. وهنا تتضح ان الإعلام، فعلاً لا قولاً، جزء من السياسة الداخلية والخارجية على السواء في استراتيجية الملك سلمان بن عبدالعزيز.