عبدالرحمن العومي

صناعة السلاح

تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين وبإفتتاح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع , يفتتح معرض القوات المسلحة لدعم توطين صناعة قطع الغيار , ستعرض فيه وزارة الدفاع أكثر من 40 الف فرصة إستثمارية لتصنيع المواد وقطع الغيار والمستلزمات الطبية امام المستثمرين من رجال الأعمال والشركات والمصانع الوطنية . طبعا سيكون المعرض مفتوح للعامة للإطلاع على هذه الفرص من تاريخ 21-27 فبراير 2016 . وقبل ان اتكلم عن اهمية هذا المعرض وأهمية الصناعات الحربية للإقنصاد الوطني , سوف أرجع بالتاريخ ونلقي نظرة على تطور الصناعات الحربية الأمريكية التي نشأت في ظل ظروف صعبة. بدأت الصناعة في أمريكا بصناعة مدنية وذلك بعد إنتهاء الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال أي عام 1865م حيث بدأت هجرة الأموال والعقول والأيدي الماهرة من أوروبا ذات الحضارة العريقة الى أمريكا ذات الموارد الطبيعية الهائلة . فقاموا بإنشاء مصانع الحديد والصلب ومصانع الألمونيوم التي لا زالت تتربع وتحتل المرتبة الأولى عالميا في الإنتاج منذ اكثر من 100 عام , كما ازدهرت وتأسست الصناعة الكيماوية كما سيطرت أمريكا على صناعة النسيج على الرغم أن هذه الصناعة سبقتها دول عديدة في أسيا وأمريكا اللاتينية , الا ان الإنتاج الأمريكي تفوق وغزا العالم بالكم والجودة العالية . وشهد ذلك العصر نهضة صناعية امريكية عظيمة , الا انه على الصعيد العسكري لم تكن أمريكا رقما يذكر , وكانت دولة تجنح للسلم . وفي يوم 28 يوليو من عام 1914م نشبت الحرب العالمية الأولى وكانت تسمى الحرب العظمى , وكانت هذه الحرب بين الدول العسكرية العظمى وهي دول المركز (الأمبراطوريات الألمانية والنمساوية والمجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا ) وقوات الحلفاء وهم ( المملكة المتحدة البريطانية وايرلندا وفرنسا والأمبراطورية الروسية ) . وفي هذه الحرب اعلنت أمريكا انها على الحياد ولن تتدخل في هذه الحرب , الا انه وبعد ثلاث سنوات من الحرب بدأت الكفة تميل لصالح دول المركز بقيادة المانيا مما يهدد المصالح الأمريكية ويهدد أكبر شركاؤها التجاريين ويضاف الى ذلك السلوك العدواني الألماني تجاه الولايات المتحدة , وما حدث فيما يعرف بحرب الغواصات التي فرضتها المانيا على السفن التجارية التي تتعامل مع بريطانيا . وكانت هذه الحرب عباره عن اعلان حرب على المصالح الأمريكية . فقررت أمريكا دخول الحرب , وفعلا في يوم 6 ابريل من عام 1917م القت امريكا بثقلها البشري والمادي والمعنوي في الحرب الى جانب الحلفاء , وبذلك انهت أمريكا العمل بمدأ مونرو رئيس الولايات المتحدة عام 1823م وشعاره الذي كان يقول أوروبا للاوروبين وأمريكا للأمريكين , وتحولت مصانع الحديد والصلب الأمريكية الى مصانع حربية , وتحولت المصانع الكيماوية الى مصانع ذخيرة ومتفجرات , ومصانع السفن المدنية الى سفن حربية . ومنذ ذلك الوقت تغير وجه العالم وتحولت القوة العسكرية من اوروبا الى أمريكا , هذا ما وضح جليا في الحرب العالمية الثانية التي حسمتها الولايات المتحدة الأمريكية لصالحا بفضل شركات السلاح العملاقة التي أنشأتها أبان الحرب العالمية الأولى حتى اصبحت أمريكا الأن تمتلك أكبر سبع شركات سلاح من أصل عشر هي الأكبر في إنتاج السلاح في العالم . لقد كانت الأحداث السياسية الدولية سبب نشأة شركات ومصانع السلاح العملاقة التي تدر الأن على أمريكا مليارات الدولارات سنويا , وتوضف مايقارب النصف مليون موظف بشكل مباشر , وخلقت عشرات الملايين من الوظائف بشكل غير مباشر . إن الأسباب التي جعلت امريكا رقم صعب في إنتاج السلاح هي نفسها التي تواجه المملكة . فالسعودية الأن تحارب على أكثر من جهة وهي بحاجة الى السلاح وقطع الغيار والذخيرة لتحافظ على مقدراتها ومكتسباتها وتدافع عن أرضها وأراضي المسلمين , كما ذكر ذلك خادم الحرمين الشرفيين . ويقدر المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية حجم إنفاق المملكة على الجانب العسكري والتسليح مايقارب 50 مليار دولار سنويا وهذا مبلغ كبير جدا كفيل بأن يؤسس صناعات عسكرية محلية . حيث ان جزء كبير من هذا المبلغ يذهب في عملية الصيانة والتي يمكن إنشاء ورش متطورة لها , وتدريب الكوادر المؤهلة لها للقيام بذلك . وكذلك بالنسبة للذخيرة المملكة تعتبر واحدة من أكبر الدول المنتجة للكيماويات ويمكن الإستفادة من تحويل كثير من المصانع الكيماوية القائمة الأن التي وللأسف لم تنجح في تسويق منتاجاتها المدنية الى مصانع تنتج الذخيرة والسلاح وتركز إنتاجها للقوات المسلحة السعودية والعربية . حيث تنذر الاحداث السياسية بأن الشرق الأوسط مقبل على أزمات سياسية وحروب إقليمية نحتاج فيها الى إستغلال مواردنا المالية والبشرية ومواردنا الطبيعية التي اضطررنا الى بيع بعضها في الأسواق العالمية بأقل من تكلفتها , الأن نحتاجها لتمويل مصانعنا الحربية . إن كثيرا من المعدات العسكرية التي تستخدم الأن هي ذات التقنية ليست صعبة بل و قديمة نوعا ما حيث كثير من المجنزرات والصواريخ التي تستخدم في الحرب الإقليمية التقليدية هي تقنية صنعت في زمن الستينات والسبعينيات وبالتالي انتاجها يتطلب فقط قرار سياسي وإقتصادي . ونحتاج الى عملية تسويق ناجحة وبذلك نكون صرفنا جزء كبير من إنفاقنا العسكري داخل حدود إقتصادنا الوطني . نتمنى لمعرض توطين صناعات قطع الغيار النجاح والتطور والإستمرار.