محمد الصويغ

العطار وماأفسد الدهر

يقدر أحد المتخصصين في جراحة المسالك البولية، في إحصائية دقيقة، أن متوسط حجم سوق أدوية "العنة" لدى الذكور بالمملكة يقدر بنحو ثلاثة مليارات ريال سنويا، ومن المعروف طبيا أن هذا العرض يحدث لأسباب نفسية وعضوية ويصاحب أحيانا المرضى بداء السكر أو أمراض القلب أو السمنة أو المصابين بارتفاع ضغط الدم أو العاجزين عن ممارسة الرياضة، وقد ينتشر بين المدخنين.هذا عرض من الأعراض الذي يصيب الإنسان في أعمار مختلفة، وعلاجه يتم طبيا بعد التشخيص، ولا يتم عبر مئات الأدوية المنتشرة في الصيدليات والتي قد يتناولها المرء دون استشارة طبية!، فيصاب بالاكتئاب وبأمراض نفسية أخرى هو في غنى عنها، وقد نسي المصابون بهذا المرض أو العرض -سمه ماشئت- أن السن له أحكام كما يقال، وأن سنة الحياة لا يمكن تغييرها، أي لا يمكن إعادة العجوز صبيا بتعاطي تلك الأدوية والعقاقير والأعشاب.ويمكن أن نقيس على «العنة» بقية الأعراض، ولا أقول الأمراض التي تصاحب المرء عندما يتقدم في السن، ولعل النساء تحديدا هن الأكثر تناولا لمئات من العقاقير والمساحيق والأدوية التي يظنون ظنا خاطئا بأنها قد تعيد إليهن شبابهن المفقود، وهو ظن يقترب من اليأس، فلا صحة لما يقال أو يشاع بأن تلك الوسائل تفعل فعل السحر فتعيد للمرأة المتقدمة في السن نضارتها وشبابها من جديد.مئات الأدوية تطالعنا بها وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية، تصب كلها في قنوات إعادة الشباب والحيوية للنساء على وجه الخصوص، مرهم يقضي على تجاعيد الوجه، وآخر يؤدي إلى التنحيف، وثالث يؤدي الى منح النسوة رشاقة تعيد إليهن الشباب، وتلك كلها ترهات لا يستفيد من سريانها بين النساء إلا شركات الأدوية العالمية التي ما زالت تمارس أساليبها الخادعة لترويج بضائعها بين السذج من النساء، وما أكثرهن.المرء يمر بمراحل عمرية طبيعية، لكل منها مذاقها الخاص، فمن الطفولة إلى الشباب ثم الرجولة ثم الشيخوخة، وقد يصل المرء إلى أرذل العمر حيث لا يعلم بعد علم شيئا، وقد يصاب حينئذ بفقدان الذاكرة أو ما يسمى بـ (الزهايمر) وقد اخترع أولئك المروجون لهذا المرض أيضا عشرات الأدوية رغم أن العلم لم يتوصل بعد الى علاج ناجع وقاطع لهذا المرض، غير أن شركات الأدوية العالمية تصر على علاجه كما هو الحال مع بقية الأدوية التي تعيد المتقدمين في السن الى شبابهم.تلك الخزعبلات أعادتني الى تذكر ما قرأت في تراثنا العربي القديم عن امرأة عجوز ما برحت تتزين محاولة إعادة الزمن إلى الوراء؛ لعل أحدا من الرجال يقدم على الزواج منها، ويبدو أن الصدفة المحضة ساعدتها فانخدع بمظهرها -المزيف- أحد الرجال، فأقدم على الزواج منها، ولكنه اكتشف ما اكتشفه من حقيقة بعد الزواج فطلقها، غير أن ذات المرأة لم تعترف بحقيقة تقدمها في العمر فأخذت تتردد على العطارين للحصول على أدوية وأعشاب تعيد لها شبابها المفقود.وحول هذا الموقف، يقول أحد الشعراء وقد رأى تلك المرأة تتردد على أحد العطارين مرارا وتكرارا؛ لشراء ما يمكن شراؤه من أعشاب وأدوية تعيد لها حلمها المنشود والمفقود في آن:تروح إلى العطار تبغي شبابـــهاوهل يصلح العطار ما أفسد الدهر