د. محمد حامد الغامدي

التحلية «2».. خيوط الحقيقة

إثارة الأسئلة حول (التحلية) في المملكة، ضرورة وطنية.. الأمر يتعلق بحياتنا.. وهل هناك شيء أهم من (الماء)؟!.. كنتيجة لابد أن تكون هناك خارطة واضحة، لكل حقائق الماضي والحاضر، لتعزيز المستقبل وخطواته.. (الماء) خط أحمر.. ويجب أن يكون كذلك.. الأهمية والضرورة تفرض أولوية الاهتمام.. تفرض وجود إجابات دقيقة، صحيحة وصادقة.. إجابات للحاضر والمستقبل.. إن تشخيص المشاكل وتحديد الاحتياجات، ضرورة علمية.. كما أن النّقد يبني، فإن اللوم يؤنّب، وعلينا تجنّبه.. هكذا أهدف بهذه المقالات.. أقدم تساؤلات، بهدف الحصول على إجابات.. هدفها العمل لصالح (الماء)، ولصالح البلاد والعباد، حاضرا ومستقبلا. معطيات الماضي كانت خلف التوجهات والاجتهادات، في شأن (الماء) بالمملكة.. لابد وأن يكون لها ظروفها الخاصة.. من الضروري مراجعة وتشخيص تلك المعطيات.. أيضا تشريح دقيق، لواقع ظروف توظيفها.. هذا لن يتحقق إلا بتوجه رشيد، ينظر إلى المستقبل، بعين ثاقبة وذكية، تستشعر أهمية (الماء) لحياتنا. نحن بحاجة إلى توجه يثير الأسئلة العلمية، لإعطاء إجابات مقنعة ومفيدة، شافية وشفافة.. إزالة كل لبس وقلق، مع تأكيد نقاط الصح من الخطأ ضرورة.. تحدد المفيد وغير المفيد.. المضر وغير المضر.. أيضا لمعالجة ما ترتب من تراكمات سلبية عبر السنين.. بعض القناعات تحولت إلى كابوس، وكنّا نعتقد بصحتها.. كان مجرد الحديث عنها يعتبر زلّة وذنبا! بعد ثلاثة عقود من رفع صوتي لصالح (الماء).. ما زال أمره غامضا عند كاتبكم.. وقد تشبعت من التفكير والتأمل، لدرجة أصبح (الماء) قضية تؤرق حياتي.. هذا نتاج القناعة بأهمية عمق مشكلة الماء.. خيوط الحقائق أفضت إلى إيماني بوجود حلقة مفقودة، في شأن (الماء).. في بعض المراحل جاءتني الشكوك، بأن البلد تعرض لمؤامرة استنزاف مقصودة للمياه الجوفية.. ساهمنا فيها بجهل.. أو غباء.. أو حسن ظن.. أو عمد.. أو مجتمعة.. هذا ما قاد كاتبكم للكتابة, وبشكل مستمر عن (الماء).. أخيرا أتناول (التحلية) في سلسلة هذه المقالات. في الوقت الذي نحلّي ماء البحر، نهدر المياه الجوفية، بشكل عبثي وغير مسئول.. هل هذا تصرف رشيد؟!.. أليس قبول (التحلية) مع هذا الوضع المتناقض، فيه تطاول على حقوق الوطن، والأجيال القادمة؟!.. هكذا بدأت أبحث عن إجابات.. وتطفو الأسئلة.. أطرحها لصالح الأجيال القادمة.. لا أقول مجرد إبراء ذمة.. لكنها مسئولية وطنية.. أحملها عن يقين.. أرجو أن تحقق شيئا مفيدا، لصالح (الماء)، من أجل بلدنا ومستقبله. اعتمدت وزارة الزراعة المياه الجوفية للزراعة فقط.. واعتمدت تخصيص (التحلية) للشرب.. أيضا اعتمدت التوسع الزراعي الأفقي الهائل والعشوائي.. (أي الذي لا يخضع لخطة.. لكنه عمل اجتهادي صرف).. هذا يعني المزيد من حفر الآبار. لنستعرض توجهات وزارة الزراعة والمياه، كدليل، من بداية الطفرة الأولى.. قادت كل توجهاتها إلى الإضرار بالمياه الجوفية.. بجانب ضياع الأموال، وبعثرة الجهود، وضياع الوقت.. كان التوسع في زراعة القمح عن طريق منح الأراضي البور في الصحاري الجرداء.. ثم كان الاعتماد على حفر الآبار الارتوازية العميقة.. بهدف الري في ظروف مناخية صحراوية.. كل هذا عجل باستنزاف المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية.. وبشكل جائر.. أيضا أكثر من (70) مليار ريال.. تم صرفها على القمح وزراعته.. خلال أقل من عشر سنوات. في عام (1994م)، كانت كميات (الماء) التي استهلكها القمح في ثلاثة أشهر تعادل انتاج (التحلية) لمدة (17) عاما.. هذا بخلاف زراعة الشعير والأعلاف.. هذه المحاصيل الثلاثة ثبت أنها أهدرت (المليارات) من المياه الجوفية.. مياه لا تعوض.. في الوقت الذي زاد الطلب على مياه الشرب عن طريق (التحلية).. نتيجة لذلك تدخل مجلس الوزراء الموقر.. كان آخر قراراته وقف زراعة الأعلاف. وبعد.. إذا كانت المصلحة العامة أفضت إلى إيقاف، ونقض، والغاء توجهات وزارة الزراعة والمياه سابقا.. فلماذا لا تكون (التحلية) من ضمن هذه الأخطاء الفادحة؟!.. واعتمادا على ما سبق.. هل يبدو لكم أن (التحلية) أيضا كانت اجتهادا؟! كانت كذلك.. مثلها مثل اجتهاد التوسع في زراعة القمح والشعير والأعلاف.. ويستمر الحديث بعنوان آخر.